للاستماع إلى المحاضرة

بسم الله الرحمن الرحيم

        الحمد لله، اللَّهم لك الحمد يا صاحب الخير المِدرار، والعطاء الموفور آناءَ الليل وأطرافَ النهار، يا مَن أرسلتَ إلينا النبيَّ المختار، عبدَك المصطفى نورَ الأنوار وسرَّ الأسرار، نسألك بِك أن تصلِّيَ عليه أبداً سرمداً، أفضلَ الصلوات، وأن تسلِّم عليه أزكى التسليمات، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ومَن سار على منهاجهم خيرَ مسار، إلى يوم الوقوف بين يديك يا كريم يا غفار، يا أكرمَ الأكرمين ويا أرحمَ الراحمين.

ونجد أن المَدارك عند المُقبلين على الله حيث ما كانوا وأين ما كانوا، تنتهي إلى شهودِ أن الأدب به تُرتَقى الرتب، وأن حقائقَ التزكية التي بعَث اللهُ بها النبيين، حتى جاء أكملُهم وأفضلُهم وخاتمُهم وسيدُهم سيدنا محمد صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، فاختاره الله مُزكِّياً لنا، مُرَبِّياً لنا، مُطهِّراً لنا، مُنقِّياً لنا. شرَّفنا اللهُ بذلك، لله الحمد والمنَّة ( لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياتِه ويزكِّيهم ويعلمهم الكتابَ والحكمةَ وإن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين ).

 يا أيها المؤمن بالرحمن، على قدرِ نصيبِك من الإيمان، تأخذ ما تأخذ من الكتاب العزيز والآيات، بواسطة مَن درَستَ عنده مِن الصِّغر، ومَن تسمعها منه في الكِبر، وما يصلك مِن نُورِها والأثر، فيكون كلُّ ذلك وصلةً لأن تستشعر أن الذي تلا عليك الآيات؛ هو المنزَل عليه الآيات، هو أشرف البريات، هو سيد أهل الأرض والسموات ( لقد مَنَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم ) يتلو على مَن؟ على المؤمنين؟ والمؤمنون أينحصرون في عهدِ الصحابة؟ المؤمنون إلى يوم الدين، فأولئك شُرِّفوا بالمباشرة بالتلقِّي من لسانه صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم وإلقائه إليهم، لكن سرَّ أنه هو التالي باقي، هو الذي يتلو علينا الآيات، وكل ما نأخذه عن المشايخ، ونتلقاه عن أهل العلم؛ إنما هو حبلٌ يوصلنا بالتالي، لنسمعَ التلاوةَ مِن تاليها الذي ارتضاه الله أن يتلو علينا الآيات ( يتلو عليهم آياته ) ثم كلما انفتح لنا من أبواب تطهيرِ نفوسنا وتزكيتِها وتَنقيتِها عن شوائبِها بواسطةِ الشيوخِ المُربِّين، وسلاسل الإسناد إلى النبيِّ الأمين، فإنما هي حبلٌ يوصلنا بالمزكِّي الذي ارتُضي، والذي انتُخِب، والذي اختِير، والذي مُنَّ به علينا ( ويزكيهم )  صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله.

( يتلو عليهم آياتِه ويزكِّيهم ويعلمهمُ الكتابَ والحكمةَ وإن كانوا مِن قبلُ لفي ضلالٍ مبين ) وعند إدراكِنا لشأنِ هذه المرجعيَّة، ورجوعِ الأمرِ إلى خيرِ البرية صلَّى اللهُ وسلَّم وبارك عليه وعلى آله، ينبسط لنا معاني الآداب بالاتصال بهذا الجناب الذي قال: ( أدبني ربِّي ) صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله، فما خلق اللهُ نفساً أزكى مِن نفس سيدنا محمد، ولا أطهر، ولا أنور، ولا أشرف، ولا أعرف، ولا أنظف، ولا أتم، ولا أقوم، ولا أعظم، ولا أكمل، ولا أجمل، ولا أفضل.. صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله.

 نقل لنا عن سيدنا جبريل قوله: قلَّبت مشارقَ الأرض ومغاربها، فما رأيت قلباً كقلب محمد صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله. ما رأيت اللهَ برأ ولا ذرى خلقاً كمحمد صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله، فسبحان الذي خصَّه بالمقام العظيم، انتسِب إليه بما فتح الله لك من أبواب هذه النِّسب المعنوية، بما تتوجه به، بما تفكر فيه، بما تقصده، بما تنويه، بما تتعامل به مع الصغير والكبير، والقريب والبعيد، ميزان رباني جاءك مِن عند ربك يعلمك كيف تخاطِب الأب، كيف تخاطبُ الأم، كيف تخاطبُ الأخ، كيف تخاطبُ الابن، كيف تخاطبُ الجار، كيف تخاطبُ القريب، كيف تخاطبُ المسلم، كيف تخاطبُ غيرَ المسلم، وكيف تتكلم، وكيف تنظر، وكيف تنوِي، وكيف تتعامل.

 جاءك بيانٌ كامل، وبيانٌ وافي، وبيان شافي، من حضرة الرب سبحانه وتعالى، حملَه هذا الحبيب، أوصلَه هذا الحبيب، جاء به هذا النبيُّ الكريم صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، قُم بحقِّه، أدخِل نفسَك في دائرة أهلِ الامتثال، دائرة أهلِ العمل، دائرة أهلِ الاتصال، دائرة أهل الإقبال، دائرة أهل التطبيق والتنفيذ لأحكام الحميد المجيد جل جلاله، وهناك تأتي التحقُّقات بحقائق الإسلام والإيمان، والارتقاء إلى مراتب الإحسان، ومقابلة إحسانٍ مِن الله عليك تدخل به ميادينَ العِرفان، وترتقي به من شأن إلى شأن، فضلُ الكريمِ المنان، أكبر وأعظم مما يخطر على الأذهان، ومما يتصوره جميع الإنس والجان.

 فلا يعوقُك شيءٌ مما يدعوك إليه دواعي القواطع والحواجز، كل مَن شغلك عن الاعتزازِ بعبوديتك لله، وأدبِك مع الله، ورابطتِك بالنبي محمد صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فهو قاطع من قطاع الطريق، إن كان نفسك ولها دُربه ولها مهارة في الضحك عليك، وفي خداعك والتلبيس عليك، أو كان هواك، أو كان شهوةً من شهواتك، أو كان إنساناً يظهر بمظهر الإسلام والصداقة، أو بمظهر العداوة، أو بمظهر الكفر، كل مَن شغلك منهم عن تحقيق عبوديَّتك، واعتزازك بالخضوع لربِّك، وحُسن رابطتِك بالنبي؛ فهو قاطع طريق، قاطع قطع عنك الطريق، وقطعك عن الوصول إلى أعلى رفيق، وإلى خيرِ فريق، ولو حُرِمتَ الشرب من رحيقِهم أحلى رحيق، لم ترَهم في القيامة، وإن لم ترَهم في القيامة، فأين تكون؟ ومع مَن تُحشر؟ مع أي فئة؟ مع أي طائفة؟ مع أي زمرة؟ قال تعالى: ( وسِيقَ الذينَ اتَّقوا ربَّهم إلى الجنة زُمراً ) ( وسِيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً ) فمع أي الزُّمر تكون؟ مع أي الفِرق تكون؟ وشرابُهم لا يكون إلا لمَن طلب فأحسنَ الطلب، ورغِب غايةَ الرغب، وأقبل بالكليةِ على الربِّ جل جلاله.

وذاك من بعد التوجه التام      بكل باطن وبكل ظاهر

الله أكبر هذه الحقيقة       قد أشرقت من مشرق الطريقة

فامسك أخي بالعروة الوثيقة     وهي اتباعك سيد العشائر

محمد المبعوث بالهداية     والحق والتحقيق والولاية

إنسان عين الكشف والعناية    وروح معنى جملة المظاهر

 اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وصحبه، وشرِّف هذه العيون بالنظر إلى طلعتهِ الغراء في الدنيا وفي الأخرى، شرِّف يا ربَّنا عيونَنا هذه بالنظر إلى طلعته الغراء في الدنيا والأخرى، شرِّف يا رب عيونَنا بالنظر إلى طلعته الغراء في الدنيا وفي الأخرى، ولا تَحُل بيننا وبينه، ولا تُبعِدنا عنه، ولا تُحِد بنا عن طريقه، ولا تُخرِجنا مِن فريقه، آمين يا ربنا يا الله.

وإن أعيناً في الأمة رضيَت أن تنظر إلى المسلمين بعين الاحتقار، لا واحد ولا اثنين، تحتقر مئات وألوف مِن عباد الله. والنظر إلى واحدٍ من المسلمين بعين الاحتقار شرٌ كافٍ للحجاب، قال صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ( بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) يقول النبي بحسب امرئٍ من الشر، يعني: يكفيه شرًّا أن يحقرَ أخاه المسلم. وبيننا عيونٌ تنظر بعين الاحتقار إلى أعداد كبيرة من المسلمين، وعيون تنظر مع ذلك إلى تطلُّعِ عورات الناس الحسية أو المعنوية، وتمتد إلى ما حرم اللهُ عليها من الصور بالشهوات، أهذه تتهيأ لترى الطلعةَ الغراء في دنيا أو في أخرى؟ إنها الملطَّخة، إنها العيونُ الوسِخة، وأنى للعيون الوسخة أن ترى ذاتَ الطهر؟ أن ترى ذاتَ الطهارة، أن ترى ذاتَ أطهرِ الخلائق..

 طهِّر عينك، إذا كانت العين ممتدة لهذا، وممتدة إلى النظر إلى الزخارف بعَين التعظيم، حتى ضحكوا علينا من قبل ما يجيء الدجال، إذ القلوب منصرفة إلى تعظيمِ حقيرِهم، وتعظيمِ تافهِهِم، وتعظيمِ ساقطِهم، قبل أن يجيء الدجالُ والعياذ بالله تبارك وتعالى، وامتدت بعينِ التعظيم إلى ما هو حقير، وإلى ما هو ساقِط، ومع ذلك ما بكَت مِن خشية الله، ما تبكي من خشية الله، ومع ذلك هذه العين لا تبكي شوقاً إلى لقاء الحق ولا إلى لقاء رسوله، ولا تبكي فرحاً بالطاعات، إن بكت من أجل وجعِ جسدٍ ومرض، أو فقدِ مال، أو فقدِ مَن تأنسُ به في هذه الدنيا، وإن بكَت من فرح فلوُرودِ مال، أو لحصول شيء مِن متاع الزوال، هذه إلا عين خاربة من كل جانب، قل لها: إن وجهَ محمد غالي، قل لها: إن وجهَ محمد غالي، هذه أمراض خطيرة، لا واحد ولا اثنين، كل واحد منها مهلك، طهِّر عينَك أولا، عالِج عينك أولا، طبِّب عينك أولا، صفِّ عينك أولا، نظِّف عينَك أولا؛ حتى ترى الوجهَ الأجمل، أنت غافل ما تُحاسب نفسك على كل هذا وتقول مالي مالي، وإذا سمعت كلاماً عن رؤية الوجه تحرَّكتََ وقلتَ ورفعتَ صوتَك.

 صفِّ عينك، نظِّف عينك، طهِّر عينك، عالِج عينَك..

 رضي الله عن عيون لولا بقاء سرِّها فينا، لَخِفنا كوارثَ كبرى على الأمة، عيون من الشوق إلى الحق وإلى رسوله تدمع كلَّ ليلة، كان هذا من عهد الصحابة إلى القلوب الصالحة التي أكرمَنا الله بها في زماننا، مفرَّقين، حد في شرق الأرض وحد في غربها، وهم قليل جداً بيننا، كل ليلة يبكون شوقاً ومعرفةً وخوفاً ورجاءً وفرحاً، لا شوقَ إلا لله ورسوله، ولا فرحَ إلا برضوان الله ورسوله، ولا معرفةَ إلا بحقائق الألوهية والربوبية والعظمة الرحمانية والخصائص النبوية.

 نِعم المعارفُ معارفُهم، نِعم الشوقُ شوقُهم، نِعم الخوفُ خوفُهم، نِعم العيون هذه بيننا، يا ربّ بارك لنا فيها، يا ربّ انشر خيرَها فيما بيننا حتى يكثرَ عددُهم، ويعظمَ مددُهم، وينتشرون في كل قُطرٍ من أقطار الأرض.

 لكن ترى أنه بعد الوصول إلى انتشار هذه العيون وبروزها فينا، هل تعمل فينا هذه القنوات الموجودة؟

 أو عامة المدارس الموجودة وأكثرها؟

 أو هذه المحاضرات المنتشرة هنا وهناك؟

 أو هذا النت وما امتلأ به من دعاوي وبلاوي وغشوش..

هل تُوصل إلى هذا؟ هل تُنتِج بيننا هؤلاء؟

 ما هي إلا نتائج أرباب القلوب الساجدة، ما هي إلا نتائج أرباب الوراثة الوافية، ما هي إلا نتائج أرباب المشارب والمنابع الطيبة الطاهرة الصافية.

 ما هي نتائج هذا الشيء المنتشر اليوم بيننا في شرق الأرض وغربها، ماذا ينتِج لنا هذا؟ وماذا أنتجَ في السنين الماضية؟ أنتج لنا أي نوعية؟ أنتج لنا أي صورة؟

أنتج لنا زعزعةَ الإيمان، أنتج لنا طغيانَ الإنسان، أنتج لنا تمجيدَ الفانيات والشهوات، أنتج لنا فقدَ الإنسان لحقائق إنسانيته وقِيَمِه.

ماذا أنتج لنا؟ ماذا أحدث لنا!؟

 لكن ما هي آثار الإعراض عن منهاج سيدنا؟ ما هي أثار الغفلة عن التولُّع بذاك الجناب؟ ما هي آثار انصراف المحبة من الحق ورسوله إلى الدنايا وموجبات الخِزي، وإلى مَن سقط من عين ربِّ العالمين جل جلاله وتعالى في علاه؟

ألا يا حافظ احفظ علينا دين الإسلام، ألا يا حافظ احفظ علينا دين الإسلام.

صاروا لا يعرفون سرَّ النظر إلى وجوه المسلمين بالرحمة والمحبة، ولا إلى وجوه الصالحين والأولياء بعين التعظيم والولاء والتمجيد لله تبارك وتعالى، وإذا فُقِد هذا النظر كَثُرتِ الغِير، وانتشر الشر؛ وإن لله سبحانه وتعالى نظرا ما دام هذا النظر موجودا. قال صلى الله عليه وآله وسلم: يغزو فئام من الناس فيقال لهم فيكم من رأى رسول الله؟ فيستفتحون بهم، فيُفتح لهم، ثم يغزوا فئامٌ من الناس يبطئ عليهم الفتح، فيقال: هل فيكم مَن رأى مَن رأى رسول الله؟ - هل فيكم أهل سر النظر، هل فيكم أهل العيون التي ما امتدت لتعظيم كفر، ولا شرك، ولا معصية، ولا نفس أمَّارة، ولا دنيا غرَّارة، هل توجد عيون محررة من كل هذا؟ تعرف قيمةَ النظر إلى وجوه المقربين والصالحين - هل فيكم مَن رأى مَن رأى رسولَ الله؟ قال فيُفتح لهم، ثم يغزوا فئام من الناس، فيُبطئ الفتح عليهم، فيقال هل فيكم مَن رأى مَن رأى مَن صحب رسول الله؟ هذه المعارف، والثقافة، والتربية، أين هي في ميزان الناس اليوم؟ أين  هي في ميزان مَن يدَّعي أنه سيقيم دولةَ الإسلام؟ منزوعة من قلبه ما كأن النبي نطق بها، لا أحد رباه مسكين، ما تربى، ورأى نفسه من قادة العالم! ودين الله ما هو ضحك ولا فِكر.

 دين الله قلوبٌ تُقبل وتستقبل وتخضع وتخشع وتتأدب وتتصل، تتصل بسندها إلى محمدها، تتصل بسلاسلها إلى من جاءها بالتنزيل عن مولاها صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله، وإلى هذه السلاسل أشار صلَّى الله عليه وسلَّم وقال كما نقرأ في صحيح الإمام مسلم: ( يكون في آخر الزمان دجَّالون كذَّابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم -  يعني ما وصل من طريق سلسلة ممدودة من عندي-  فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم ) ابحثوا عن الصلة بي، ابحثوا عن السند إلي، ابحثوا عن السلسلة التي تمر عبر القرون، أمين عن أمين عن أمين، خاشع عن خاشع عن خاشع، متواضع عن متواضع عن متواضع، بكَّاءٌ في ظلمة الليل عن بكَّاءٍ في ظلمة الليل عن بكَّاءٍ في ظلمة الليل، عن الذي قيل له: أتبكي وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ( أفلا أكون عبداً شكوراً ) صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله، هل لك نصيب من هذا السند، من هذا الاتصال، لا يغشك مَن يغش، غشوا كثيرا غيرَك وضيعوهم، وأين ذهبوا بهم؟

حافِظ على قلبك، حافِظ على صلتِك بربِّك، حافِظ على مواريثِ نبيِّك، حافِظ على ما خلَّفه لك صاحب الرسالة صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم، مِن علمٍ يقترِن بالخشية، يقترِن بالعمل، يقترِن بالورع، يقترن بالزهد في الدنيا الدنية

فوا أسفي إن متُّ من قبل أن أرى      وجوهاً عليها نورُ علمٍ وخشيةِ

ونِعم تلك الوجوه، قال تعالى: ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود )  

  وقال تعالى:( أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) يعني: أن هؤلاء القائمين آناءَ الليل سجوداً وقياماً يحذرُون الآخرة ويرجُون رحمةَ ربهم هم الذين يعلمون، هل يستوون هم والذين لا يعلمون؟ الذين لا قيام لهم، ولا سجود في الليل، ولا حذر الآخرة، ولا رجاء الرحمة، ولا ظهور للعلامات عليهم، إما أن يقهقه أو يضحك بصوت مرتفع، أو يغتاب، أو ينِم، أو يتفرَّج على مسلسل، أو يخطط مخططاً سيِّئا لشيِء من أغراض نفسِه، ويمضي ليلَه هكذا، وإن شيء باقي في الليل نوم وانتهى..

 فالاستغفار لا يهتم به، والبكاء لا يهتم به، طول السجود لا يهتم به، طول القيام لا يهتم به، يتركه لمحمد وجماعته.. وأنت مِن جماعة مَن؟

هذا محمد، وعرفنا محمد وجماعته، إلى قريب من شيوخنا المتأخرين شيوخهم كان فيهم مَن تورَّمت أقدامهم من القيام في الليل، فهؤلاء أصحاب محمد، وأنت مِن أصحاب مَن!؟ هؤلاء مِن جماعة محمد، وأنت مَن أخذك ووضعَك في جماعة هذا الذي ضحك عليك؟ هل معك خيرٌ من هذه الجماعة؟ هل معك أشرف من هذه الجماعة؟ وفي أي سنة ستلحق بهم؟

أو تريدها كلمات نسمعها، وصور تمشي، فما أُقيمت مثل هذه المجالس إلا لكي تدخل في الدائرة، عسى تخرج من ورطتك، عسى تصدق مع مولاك جل جلاله..

ألا يا الله بنظرة من العين الرحيمة      تداوي كل ما بنا من أمراض سقيمة

يا ربّ صُن عيونَنا عن الاحتقار للمسلمين، صُن عيونَنا عن تتبُّع عوراتِ المسلمين، صُن عيونَنا عن كل نظرٍ حرام، صُن عيونَنا عن النظر إلى الدنيا بعين المحبة والافتخار والرغبة فيها، واجعلنا على قدم ( ولا تمدنََّ عينيكَ إلى ما متَّعنا به أزواجاً منهم زهرةَ الحياة الدنيا لنَفتِنَهم فيه ورزقُ ربِّك خيرٌ وأبقى ).

اللهم أرِنا الدنيا كما أريتَها عبادَك الصالحين، وأرِنا الآخرةَ كما أريتَها عبادك الصالحين، واجعلنا في أهل التبعيَّة المطلقة لسيد المرسلين، واجعل هوانا تبعاً لما جاء به يا ربَّ العالمين.

 يا شافي يا مُعافي يا مداوي من الأسواء داوِ هذه القلوب، وصفِّ هذه العيون، واحفظ هذه الجوارح، اللَّهم حُل بيننا وبين الذنوب، حُل بيننا وبين المعاصي.

 لك الحمد يا مَن جمعتَنا وأسمَعتَنا فانفَعنا وارفعنا واجعلنا ننصرف بقبولٍٍ يا رب، واجعلنا ننصرف بوصولٍ يا رب، واجعلنا ننصرف بعطاءٍ جزيلٍ يا رب، واجعلنا ننصرف بثباتٍ على أقوم سبيل يا الله..

 يا مجيبَ الدعوات يا قاضي الحاجات؛ نِعم الربُّ ربكم الذي وفَّقكم ودعاكم وجمعَكم، ونرجو من فضله سبحانه وتعالى أن لا يخيِّب منا ومنكم صغيرا ولا كبيرا.. يا أرحم الراحمين، لنا ومَن يسمعنا وأحبابنا.. ارزقنا الاستقامة، احفظ البلاد والعباد، أبعِد عنا يا مولانا مظاهرَ السوء في الأقوال، مظاهرَ السوء في الحركات، مظاهر السوء في اللباسات والأزياء، مظاهر السوء في الأغاني، مظاهر السوء في المعاملة، مظاهر السوء في المقابلات، مظاهر السوء في استعمال الأجهزة.. يا ربّ ادفعها عنا، وارفعها من بلادنا وأوطاننا، يا حافظ احفظنا والمسلمين، واحرسنا والمسلمين، واجعل لنا من اليقين ما نحرسُ به جوارحَنا، وتحرسها لنا عن الوقوع في الذنوب والمعاصي.

 اللَّهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنَّتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وحَولِنا في سبيلك ما أبقيتَنا، واجعلنا من الهداة المهتدين، ممَّن ترعاهم عينُ عنايتك في كلِّ شأن وحال وحين.

 يا ربّ وما يذكر أهل الظواهر من شيءٍ يحدث في البحر أو في البر من ذا ومن ذاك أنت لها فاكشِف عنا كلَّ شر، ادفع عنا كلَّ ضر، إنهم يتوقعون والأمر بيدك في الظهور والبطون، اللَّهم عامِلنا بفضلك لا بأعمالنا، ولا بما فعلَ السفهاء منا، يا الله بما بينك وبين حبيبك محمد ارأف بنا وارحمنا واحرس حِمانا، واحرس ديارَنا ومنازلَنا وأوطانَنا، وادفع السوءَ عنا برحمتك يا أرحم الراحمين، وجودك يا أجود الأجودين.

 اللهم أكرِمنا بِنظرٍ من عندك وقبولٍ تقبلنا به، وتُدخلنا في عبادك المقبولين أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 وتوجَّهوا إلى الله يقبلنا وإياكم.. يا ربنا اقبلنا على ما فينا، يا ربنا اقبَلنا على ما فينا،

يا الله ارحمنا أنت مولانا         يا الله اقبلنا ما لنا غيرك

 

تاريخ النشر الهجري

07 جمادى الآخر 1431

تاريخ النشر الميلادي

20 مايو 2010

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

العربية