نص لقاء الحبيب عمر مع قناة SBS الأسترالية

بسم الله الرحمن الرحيم

أجرى الإعلامي المتميز مارك ديفيز حوارا مفتوحا مع الحبيب عمر بن حفيظ، في قاعة جامعة نيو ساوث ويلز، في العاصمة الأسترالية سيدني، مساء يوم الخميس 24 جماد الأول 1432هـ الموافق 28 إبريل 2011م، وشارك فيه الجمهور على الهواء مباشرة، وبثته قناةSBS  الأسترالية.. وهذا نص الحوار:

1- ما هو سبب زيارتك إلى أستراليا؟ أهو لأجل الجالية الإسلامية أم إلى ما هو أوسع من ذلك؟

حرص الحبيب أن يقدم النظرة الإسلامية الصحيحة لما يثار من قضايا ساخنة

الرسالة التي نحملها لا تختص بالمسلمين دون من سواهم فمجيئُنا إلى أستراليا من أجل مواصلةِ ما ورِثنا من وجوب بذلِ النفع حسبَ المستطاع للخلق الذين هم عالةٌ على الله تعالى، وقد زرناها أول مرة فوجدناها من الأرض الطيبة الخصبة للتفاعل مع الطيبات، والتَقينا مع أعداد من المسلمين ومن غير المسلمين من مختلف الأديان من الاستراليين .. وكنا في مجالس من الحوارات وعرضِ الفهم الصحيح لمبادئ الدين، وما يجب أن يتعامل به الإنسان مع الآخر .. فمتابعةً لما ورِثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما نعتقد أنه يجب علينا كانت الزيارة الثانية أيضا.. وعفوا على الإطالة.

2- الخطاب الديني ليس مرحبا به في أستراليا، أخبرني عن تجربتك أنت؟

الحمد لله .. الخطاب إذا تعلق بنفس الفطرة الإنسانية يجد له مساغاً ويجد له قبولا.

 وثانيا: هناك قيمٌ مشترَكة بين بني الإنسان وبين جميع العقلاء، بالعمل عليها تعمُّ المنفعةُ للجميع، لأنها تتعلق بشأن مصالحِ الكل وتَعايُشِهم، فكما نرى أن انتشار الدين الصحيح منفعةٌ للعباد، فكذلك نرى انتشار التعاون على القِيم وحسنِ الجوار والتعايُش أيضا منفعة للبشر .

 ونعتقد أن القابلية بحمد الله في أستراليا موجودة للخوض في هذه القِيم والتعاون عليها.

3- أستراليا ليست دولة يسهل للشخص أن يكون فيها مسلما، بل هناك فجوة، ما هي رؤيتك أنت من خلال خبرتك مع الجالية المسلمة؟ أي هل هو صعب وضع المسلمين هنا؟

مِن خلال ما لمِسنا ورأينا.. رأينا أن الأمرَ فيه إمكانيةٌ تامة وجوانب من الحرية كذلك، والتمكُّن من إقامة أمرِ الدين، فما نجد في الوضعِ مشكلةً بيِّنةً واضحة، عدا ما يحصل دائماً مما يُنشَر من الدعايات على أي ديانةٍ كانت، فتَعلقُ بأذهانِ جماعةٍ من الناس، فما أرى أن تكون هناك مشكلة إلا عند مَن تصوَّر عن الدين ما ليس فيه، ثم لم يُصغِ للتَّفاهم والتحاور، أو عند مَن فهمَ الدين من المنسوبين إليه على غيرِ وجهِه، فأراد دِيناً لا بد أن يكون مشكلةً في أي وضعٍ كان.

 كذلك مشكلة عند صنفٍ ثالثٍ وهو من كان من أهل الدين ويخالف أسسَ الدين وقِيَم الدين نفسِها، فيخرج عنها فيكون هو واحداً مِن المشاكل.. فما عدا هؤلاء الأصناف ما أرى مشكلةً في قيام الدين في الوضع الذي عرفتُه في أستراليا.

4- هناك نسبة من التسامح الديني في أستراليا، لكن ما تحت القشور وضعُه صعب، وتوجد الكثير من الحواجز  والمشاكل، فهل يمكن تجاوز هذه الحواجز؟

الذي ينبغي تجاوُزه، بل الحواجز بين الفرق بأصنافها ينبغي أن تُتَجاوز.. ولعل بعض التفاصيل في الواقع يكون هو- أي المحاور- أعرف أيضا بها منا، من خلال عِيشتِه ومعرفتِه بالواقع.

 معرفتنا من خلال زياراتنا ولقاءاتنا بمن لقيناهم وقد يكونون نُخباً من الأصناف المختلفة.. لكن النقطة التي ذكرتموها مهمةٌ جدا، وهي إمكانيةُ تجاوُز هذه الحواجز.. ووجود النفسيَّات التي ما تريد أن تتعرَّف ولا أن تتآلَف.. هي المشكلة الأولى.

 والثانية: خطابنا أيضا للصنفين الذين ذكرنا من المسلمين، من يفهمه على غير أسسه فينبغي أن يراجعَ نفسَه في تفهُّم سيرة هذا النبي صلى الله عليه وسلم ليعرفَ أن مِن واجبه أن يُحسِن إلى من جاورَهم ومَن حلَّ في بلادهم.

  والصنف الثاني الذي ليست مشكلته من الفهم في الدين، لكن مخالفته وتأثُّراته إما بجُلساء وإما ببعضِ ما يُنشر.. وأرى أن من الواجبات المهمة أن تُبعَد هذه الحواجز بحُسن التداخل والتعامل والتفاهم، فلا بد أن أموراً تهمُّ الجميع من حيث سكنِهم في الدولة الواحدة.

5- يوجد توتُّر شديد ضدَّ المسلمين في بعض الدول الغربية، في وجهة نظرك ما هو حال أستراليا؟

لا يخلو وجود تحامُل خصوصا في كثيرٍ مما يُنشر ويُذاع، والتركيز على تصرُّفات أفرادٍ يُراد أن يُجعلوا نموذجاً لديانةٍ ينتمون إليها، وليسوا هم بنموذج فيها، ولما يُذاع ويُنشر عبر وسائل الإعلام تأثيرٌ على التركيز على شيء أو على نقاط، والتغاضِي عن أشياء أخرى، ومِن خلال الحوادث في بعض الإشكالات التي تُنشر ربما يُلاحَظ أن الأمرَ في أستراليا أخفُّ من عددٍ من الدول الأخرى الغربية.

 وربما نجد مثالاً حتى في مثلِ قضية فرعية، وهي قضية التفتيش في المطارات مثلا، فقد نجد في بعض مطارات الغرب بمجرد أن يكون هناك مظهر إسلامي تشديداً شديداً في التفتيش، فهذا ما لحِظناه في مثل هذه الدولة. إنما ذكرتُ لك هذا لأني لاحظتُ الفرق .. فهنا لما أدخل تحت الجهاز الذي يمر الجميع تحته ويُنبئ أن لا هناك شيء لا يفتشني أحد .. لكن في بعض الدول تحته وينبئ أن ليس هناك شيء ويفتش أيضا .. ما هناك داعي للاتهام إلا وجود عمامتي وردائي وجبتي فقط.

6- هل يشق عليكم أن تكونوا خارج اليمن في هذا الوقت الصعب ؟

الذي يشق علينا فقط وجود إسالةِ دماء وأضرار واقعة على الناس. وهذا يشقُّ علينا في اليمن وفي غيرها من الأماكن أيضا.

 أما من جهة الوجود فقد ترتبت عندنا هذه الرحلات للقيام بهذه المهمة التي تحدَّثنا عنها مِن قبل أن تحدث الحوادث هناك.. فصادفَ توقيتُ خروجنا بعد أن حدثت هذه الحوادث، ولا نزال على اتصالٍ بأهالينا ومن نعرف في غالب الأيام. فإنما يشق علينا وجودُ سفكِ الدماء أو انتهاك لشيء من حرمات الناس، أو وجود الضر والتعب.

7- ما دور القائد الديني في مثل هذه الحالة؟

الحبيب يجيب عن الأسئلة بنظرة دينية عميقة وواقعية

كلمةٌ أطلقها النبي صلى الله عليه وسلم عندما تصرَّف أحد اليهود معه تصرُّفاً شديداً، فكلَّم بها سيدنا عمر عندما أيضا قابلَه مقابلة قوية. استدان النبي، وأخذ ديناً ووعده على قضائه في يوم معين.. قبل الموعد بثلاثة أيام دخل إلى المسجد وسبَّ النبي وجر رداءه حتى احمر له عنقه، وقال: أعطني مالي الذي عندك فأنتم مطُل يا بني هاشم .. فقام سيدنا عمر وقال: أتأذن لي أن أضربَ عنقَ هذا الذي يتصرف هذا التصرف أمامنا في مسجدك؟ فقال له هذه الكلمة التي هي مهمة العلماء في مثل هذه المشاهد، قال: كنتُ أنا وهو أحوج إلى غيرِ هذا منك، مُره بحُسن الطلب، ومُرني بحُسن القضاء، واعلم أن موعد الدين له ثلاثة أيام لم يحِل.. ولكن خُذه الآن فأعطه دينَه وزِده عشرين مكان ما روَّعته. فلما ذهب أعطاه حقه وزاده هذه الزيادة، قال: أمرني رسول الله أن أزيدَك، فخُذ هذه الزيادة .. قال: يا عمر إنما فعلتُ هذا متعمِّداً لأعرف أهو نبي أم لا .. فقد عرفتُ أوصافَه في التوراة، وبقي وصفُ الحلم وأن شدةَ الجهل عليه لا تزيده إلا حِلما، واليوم خبرتُهما فيه.. أنا ذاهب لأسلم، وأتصدَّق بنصف مالي.

 ونحن نقول واجب العلماء أن يأمروا أهلَ الطلب بحُسن الطلب، وأهل الحقوق بحسن القضاء.. ونؤكِّد عليهم حرمةَ الدماء والأموال والأعراض، فلا يجوز أن تُنتَهك تحت أي مُبرِّر واحتِجاج .

8- وعدتكم أن لا أكون سياسي، ولكن يهمني أمرُ اليمن، سمعت أن المعارضة ستكوِّن حكومة، وربما يكوِّنها حزب إسلامي، كيف تحب أن تكون هذه الحكومة الجديدة؟

الذي يهمُّنا فيمن ينتسبُ إلى الإسلام أن يفهم حقيقةَ الإسلام، وأن لا يتصرف إلا بقِيَمِه والفضائل التي يحملها، فلا يمكن أن يتعدَّى الأمرُ إلى إجحافٍ في حق أحد، سواءً باسم دينٍ أو بغيرِ اسم الدين.. فما قام على العدل والإنصاف وإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقَّه فهو المقبول، وما قام على إرادة التَّشفِّي والانتقام والإجحاف في حقِّ أحد فهو غير مقبول .

9- هل تشجع على قيام دولة إسلامية في اليمن؟

إذا رجعنا إلى معرفة الحقائق فنحن نعدُّ أن عامة من في اليمن مسلمون، الذين في الحكم والذين ليسوا في الحكم كلهم الآن مسلمون.. فلهذا نرى أن الإسلام دين الكل، وأن الإشكال أيضا إما في عدم حُسن تطبيقِه أو في فهمه على غير وجهه.

 وإذا تعمقت في الأسئلة السياسية فلن ترى عندنا إلا التعمُّق في المعاني الدينية .. لأن كلاًّ له اختصاصه .

10- هناك قلق من أن الدول في الشرق الأوسط بعد انهيار الحكومات الاستبدادية، وستحل محلها حكومات دينية؟

تبيَّن أن وجود الإشكال من خلال فهمِنا للدين عدم حسن التطبيق للدين، لأنه لا يمكن يتَّفق الدينُ مع الظلم. أصحاب أيِّ دين قد يتصرَّفون باسم الدين فيظلمون أو يجحفون أو يتحاملون على فئة معينة، لكن حقائق الدين وكل الأديان التي جاء بها الأنبياء لا يمكن أن تقرَّ ظلماً، وقد سمعتَ فيما ألقينا أيضا من كلمة: تعامُل من جاء بهذا الدين مع الذين يحاربونه فضلا عن من سواهم. فيجب أن يُتفهّم انه ليست المشكلة في الدين فهذا الدين من خلال ما عرفنا وما ورِثناه بالأسانيد ممن جاء به إلى الخلفاء إلى من بعدهم يحمل للبشرية أنواعاً من الإفضال والإحسان وحسن التعامل حتى مع المسيء فضلا عن المحسن، لكن المشكلة فيمن يتصرف باسم الدين بما ليس على حقيقة الدين.

11- بعض الرجال هجموا على النساء اللاتي خرجن في المظاهرات، كأن المتديِّنين محتجون على خروج النساء في المظاهرات؟

كان خروج النساء في المؤيدين للدولة، أيضا في أحزاب المعارضة، وكان كل منهم يدافع عن نفسه، وكان خروج النساء واسعا في النطاقين معا.. والحمد لله ما سمعتُ أن امرأةً قُتلت، لكن عدد كبير من الرجال ما يفوق السبعين قتلوا ..

فتح المجال لأسئلة الحضور ..

12- سؤال عن مؤسسة فلسطينية خيرية تقوم بتوثيق دولة فلسطين؟

قد يغيب عن علمنا بعض التفصيلات عما تسأله، لكن في عموم المسألة: كل سلام يقوم على عدل وإنصاف فهو السلام الصحيح الذي يجب أن يقوم.. وما سُمِّي سلاما أو لم يسمَّ سلاماً وكان قائما على ظلم أو على اضطهاد أو على أذى أو على إضرار بالغير فلا ينبغي أن يُقبل .

13- أريد أن أعرف رأيكم في التعدي على حقوق الإنسان، وزواج النبي بالسيدة عائشة وهي بنت صغيرة، بين الثمان والتسع سنوات؟

أما ما يتعلق بالحقوق الإنسانية كما يسمى فما عرف حقوقَ الإنسان مثلُ خيارِ الناس، وهم الرسل صلوات الله عليهم.

 

الجمهور يتابع ويشارك ويتفاعل مع الحوار

أما ما يتعلق بالزواج فإن شريعة النبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لا تمكِّن زواجاً إلا مِن قادرٍ على ذلك من حيث البُنية والطاقة والجسم، فلا يمكن أن يتزوج أيُّ رجل بامرأة في هيئةِ جسدِها أو لصغرِ سنها غير مُطيقةٍ للمعاشرة. ووراء وجود هذه الطاقة لا يمكن أن يتزوج أيَّ امرأة إلا بِرضاها وكذلك رضا أبيها وأمها. أما فيما أشرتي إليه فإننا نجد في نادرٍ من تاريخ البشرية أن توجد سعادةٌ تامة في الزواج كما وُجدت في عائشة بنت أبي بكر.. لقد عاشت مغتبطةً فخورةً بالأمر في أعلى مراتب السعادة، وقد كانت لها المنزلة المرموقة على مستوى العالم كله. وأظنُّنِي أستطيع الجزمَ أني لا أستطيع أن أنقل لكم مقدار فرحها، ولا ما هو مقدار فرح أبيها وأمها وأسرتها كلِّهم بهذا الزواج. ثم ما كان مِن احتلالها المكانة الرفيعة في العلم، حتى صارت مرجعاً من المراجع في السؤال لعموم الصحابة والتابعين.

 وكانت المناسبة لزواجه صلى الله عليه وسلم بها مِن جهاتٍ متعددة. ولقد مضى أكثرُ حياته لم يكن معه إلا السيدة خديجة عليها رضوان الله، ثم جميع من تزوجهن لم يكن فيهن بكرٌ قط غير عائشة هذه. وعامتُهن ذوات أولادٍ كفلهم صلى الله عليه وسلم. فيجب أن تعلمي أن في القضية أبعاداً لا يمكن اجتثاثُ القول فيها أو تصديق ما يُقال من غير العارفين. و يا ليتَ الواحدة من نسائنا اليوم أو نساء العصر تجد من الراحة والمحبة والارتياح النفسي والسرور القلبي عُشرَ ما وجدت عائشة في أيامها.  

ولكونك امرأة طوَّلنا معك الكلام عن المرأة. 

14- التقيت بأشخاص يقولون أننا لا نتبع أي مذهب، ما هي أهمية اتباع مذهب واحد؟

من المهم أن يُعرف في هذا المجال أن هذه المذاهب القائمة على النظر الصحيح في النصوص هي تحكي وتمثِّل وتترجم سعةَ الشريعة للناس، فهي مفاهيم صحيحة عن معاني احتملَها البلاغ الذي بلَّغه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. وحتى لا يبقى المسلم بعد ذلك على غير انتظامٍ في أموره ينبغي أن ينتهج نهجَ إمامٍ، فإذا جاء وقت الحاجة لأخذِ القول الآخر فلا عصبيةَ بين المذاهب. حتى لا يتدخَّل الهوى ويكون التشهِّي في أمر الدين، ولكن عند الحاجة ووجود أي ظرفٍ يتناسب هذا الظرف مع الحكم المستنبَط من القرآن والسنة في أيِّ مذهب معتبَر فيمكن الأخذ بذلك .. وكل مذهب يقوم على بُغض الآخرين أو على التعصُّب أو التشدُّد لمذهبه فهو دليلٌ على أن الآخِذ له إن كان الأمر من عنده أو المذهب كله إن كان قائما على هذا الحال غير صحيح في أخذِه وغير معتبر عند أهل العلم.  

15- أنا امرأة مسلمة، وخرجية قانون، وأجد كثيرا من المسلمين في السجون بسبب قضايا العنف المنزلي، ما هو تفسيركم للآية القرآنية التي تأمر الرجال بضرب الزوجات، لأن هذا معيار يتم به قياس الإسلام؟

 بارك الله فيك وزادك علما ونباهة.. إن الكلمة التي أشرتي إليها هي كلمةٌ من آية كاملة، جاءت في سياقِ علاج حالة مخصوصة، وكانت في مراحلِها أيضا مقيَّدة من السُّنة بأحوالٍ مخصوصة. يقول ( واللاتي تخافون نشوزهن ) ومعناه تعدِّيهن طورَهن وخروجهن عن الحدود أو تعاملهن بإضاعة الحق للغير والتشبُّث بهوى يُفسد حقَّ الغير، وهذا بحدِّ ذاته لا يمكن أن يكون كذلك إلا في أحوالٍ تؤول إلى الصعوبة، ومع ذلك ابتدأ في العلاج بالعظة فقال: ( فعظوهن ) ومعناه: ابذلوا لهن النصيحة، وهذه العِظة لا يمكن أن  تكون من شخص هو غير مُتَّعظ.. بمعنى أنه يخوِّفها من الله والرجوع إليه إذا هي ظلمت أو تعصَّبت على قطعِ حق الغير، فإن كان هو في نفس الوقت ظلمها أو تعدَّى على شيء من حقها أو احتقرها فهو غيرُ أهل لأن يعِظ، لأنه الذي يقوم بالوعظ مَن هو متَّعظ في ذاته. إذاً لا يمكن أن يتخذ هذه الخطوة الأولى إلا مَن كان متَّعِظا فكذلك ما بعدها.

والتي بعدها إذا لم يثُر الضمير بعد محاولة إثارة الضمير والفطرة فاستعمال أسلوبٍ داخلي بالهجر في الفراش لاستثارةِ العواطف الطيبة أيضاً من ناحية نفسية.. فإذا لم يثمر الإثنان جاء الضربُ مقيَّدا بقيود.. هو مثل الضرب الذي تستعمله المرأة أيضا مع ابنها أو ابنتها عند الحاجة إليه.

 ولنا هنا وجهان يجب أن ندقِّق النظر فيهما:

 الأول: أنه لا يُبدأ به بحال، بل هناك أشياء قبله.. وإنما يكون متأخراً بعد عدم نجاح الأساليب الأخرى.

 النظر الثاني المهم: أن هذا الضرب ليس بعُنفٍ ولا بقَسوة ولا بقوةٍ تؤدي إلى أي ضرر. القيود التي جاءت بها الشريعة حولَه تبين أن اسمَه ضرب، وما حقيقته إلا معنى من التقويم بالأسلوب المحرِّك للعاطفة. نتيقَّن هذا من خلال تحديدِ وضبطِ العدد والكيفية والموضع، فمِن جهة العدد اختلفوا هل يكون ثلاثا أو أقل أو هل يجوز أن يبلغ إلى العشر.

 أما الكيفية فلا يكسر ولا يجرح. وكان الفقهاء في الشريعة يمثِّلونها بمثل السواك هذا، يضرب به هكذا .. ما في هذا إلا بعثُ الضمير وتحريكُ الخاطر ليعودَ الطبعُ إلى الاستقامة. أما الكسر والجرح فحرام، سواء كان من الزوج مع زوجته أو الأب أو الأم مع أولادهم أو معلِّم مع التلامذة، لا يجوز في الشريعة بحال.

 الثالث في الموضع: حتى بهذه الكيفية وتحديد العدد لا يجوز أن يكون في وجه، احتراما لوجه الإنسان، ولا في مكان من الجسد حسَّاس بالألم، ولكن في مثل الكف هكذا .. فإذا تكلمنا عن مسألة يجب أن نعرف غَورها وأبعادها وحكمَها الكامل في الشريعة. أما ما أشرتي إليه مما يمكن أن يسمى عنفاً فليس من حُسن الإسلام في شيء أبدا. بل أساس الإسلام قوله صلى الله عليه وسلم: (خيرُكم خيرُكم لأهله وأنا خيرُكم لأهلي).

 

قضايا متنوعة وشبهات وضحها الحبيب عمر

ومع ذلك فمظهر الكمال في رسول الله أنه لم يضرب خادماً ولا طفلاً ولا زوجةً إلا أن يكون في الجهاد في سبيل الله، في مقابَلة مَن قابلَه، حتى مرة جاء الغضب للسيدة عائشة نفسها، ولصغرِها وكونها أيضا ألفَت الدلع مِن أهلها من رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبت وتحاملَت على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظري مَن ينظر هذه المسألة بيني وبينك، فاختارت أباها، فرضيَ صلى الله عليه وسلم بذلك، لما يعلم مِن عقلِه وإيمانه، فدعاه إلى البيت وجاء، قال: بيني وبين عائشة شيء أريدك تنظر فيه وتحكم، قال: تتكلمين يا عائشة أو أتكلم أنا؟ قالت: تكلم أنت ولا تقُل إلا حقا، فلما نطقت بهذه الكلمة غضب أبوها، فقام يريد أن يضربَها، فقام النبي وأمسكه، فكان هو المدافع عن عائشة وانتهت المشكلة.

16- من أنا؟ ومن أين جئت؟ وأين أنا ذاهب؟ ما هي إجابات الإسلام عن هذه الأسئلة؟

أنت إنسان مخلوق، جئتَ بقدرةِ إلهٍ خالق، ليكرمَك بالخلافةِ عنه إن أطعتَه، ولستَ تصير وترجع إلا إلى مَن ابتدأك وأنشأك. قال تعالى: (كما بدأنا أولَ خلق نُعيده) وإدراك الإنسان أيضا لمن هو ولِم جاء إلى هذه الحياة وإلى أين يصير بعدها؟ هو لُغز الحياة الذي ينبغي أن يُعمِل فيه عقلَه بِرويَّة وأناة. فالقُدرة التي أوجدت هذا الوجود بهذه العظمة لا يمكن أن تكون خلقَت الإنسان عبثا. ولا يمكن أن تتركَه باختيارِه في عالم الدنيا يفعل ما شاء ثم تُهملُه إن أحسن وإن أساء، وإن عدل وإن ظلم .. قال تعالى: (إنّ إلينا إيابهم ثم إنَّ علينا حسابهم) فنسأل منه مُبتدأنا أن يوفقنا في حياتنا ويُحسن مرجعَنا إليه.

17- توجد فجوة في المجتمع بين الإسلام والغرب، ما هي القواسم المشتركة للمجتمعات أو أعمال مخصوصة يمكن أن يتعاونوا عليها؟

ما يتعلق بأمنِهم، واستقرار حياتهم، من خلال المجاورة والمعايَشة والملتقيات، سواء في ميادين الأعمال أو ميادين الدراسة، وشئون الاستثمار أيضا التي تكون محلا للجميع، كذلك ما يتعلق بشئون أطفالهم وناشئتهم، كذلك الحرص على ما فيه المصلحة العامة التي لا تخص شخصاً بعَينه ولا جماعةً بعينِها.

 وبعد ذلك التعاون في مجال العلم نفسه ومجال الأفكار للوصول إلى تحقيق المصالح العامة.

18- طلب أحد الإخوة الليبيين رسالة من الحبيب عمر إلى الثوار وإلى الحكومة الليبية؟

قد سمعتَ أساسها في الأمرِ بحُسن الطلب، والذي عُرِف عن عامةِ تلك الشعوب أنها تقوم بالمطالبة السلمية أو المظاهرات السلمية، فهذا داخلٌ في حسن الطلب.  وأنهم لا يتعمَّدون شيئا من المصالح العامة لتخريبِها، كذلك أن يتقي اللهَ تعالى أصحابُ القوة وأصحاب السلاح، فإن سفكَ دمٍ واحدٍ لا يحلُّ أهونُ مِن زوال الدنيا كلِّها عند الله تعالى. ثم كل من استطاع أن يُغيث محتاجاً في تغذيةٍ أو مداواةٍ فذلك أمرٌ لا غبارَ عليه من أي جانب فينبغي أن يُسَارع إليه.

وينبغي الاستعانةُ بالحق تبارك وتعالى وحُسن اللجوء إليه حتى يكشفَ الغُمَّة. ونسأله أن يحفظ دماء إخواننا في ليبيا وفي اليمن وفي الشام في سوريا وفي جميع الأرض.. وأن يعجِّل بتفريج الكربة وأن يُصلِح الشأن كلَّه.

19- مداخلة حول حسن التعايش..

نؤكد على انفتاح حُسنِ الاستقبال في مختلف الأماكن، بل على الزيارة أيضا إلى المنازل والديار.

 بعض القادة في الجيش العقلاء، كان هناك خلاف بين اثنين من الضباط مِن جنده، وكان يوجد عنده زجاجة كبيرة في مكتبه، فاستدعى الضابطين وأمر واحد أن ينظف الزجاج من هذا الوجه والثاني من الوجه الثاني، فلما تقابلا مدةَ ما نظَّفا الزجاج انتهت الخلافاتُ بينهما وبعُد الحاجر. كانوا وهم متباعدين كل واحد متحامل على الآخر ويزداد له كرها، فلما تقابلا وتجالَسا راح الحاجز كله.

20- ما هي أول آية تتذكر أنك سمعتَها وأثَّرت على قلبك وحرَّكت ضميرك؟

من فاتحة الكتاب أول ما عُلِّمناه وأول ما تلقَّناه، وقد فتحت لنا آفاقاً كثيرة في فهمِ مقصود الخلق والرجوع إلى الخالق.

الدعاء في نهاية المجلس:

 

الدعاء في ختام المجلس

نسألك اللهم لنا ولهم لطفاً مِن عندك وجوداً تجود به علينا، تصلح به ظاهرَنا وباطنَنا ودنيانا وآخرتنا، وتُلهمنا رشدَنا فيما نقول ونفعل وننوي ونعتقد حتى تُسعِدَنا بأعظم السعادة، في الغيب والشهادة، في الدنيا والآخرة .. يا الله.

 ونسألك اللهم صلاحَ العباد، ودفعَ الضرِّ والشرِّ والفساد، وتحويلِ الأحوالِ إلى أحسنِها يا من بيده الأمرُ كلُّه، ولا تصرِفنا إلا بنورٍ يشعشِع في القلوب، وإلا بنقاءٍ عن الشُّوب.. يا حي يا قيوم.

 يا الله، انظر إلينا وأصلِح الأحوال في أستراليا وجميع البلاد بِدفعِ الآفات والضر والفساد ظاهرا وباطنا، ونشرِ الخير، ونشرِ العدل، ونشر البرِّ والإحسان ظاهرا وباطنا يا أرحم الراحمين.

 يا الله ادفَع البلايا والرزايا، وأصلِح الظواهر والخفايا، وعامِلنا بفضلك وما أنت أهلُه.

ربَّنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقِنا عذاب النار. ربنا آتنا من لدنك رحمةً وهيِّئ لنا مِن أمرنا رشدا.

 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

تاريخ النشر الهجري

28 جمادى الأول 1432

تاريخ النشر الميلادي

01 مايو 2011

مشاركة

اخر اللقائات الصحفية

26 صفَر 1432

بمناسبة قرب اختتام فعاليات تريم عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 1431هـ 2010م نقدم لكم هذه الحوار الصحفي الذي أجراه الإعلامي الأستاذ عبد الله بن حسن العماري لمجلة شعاع الأمل اليمنية، تناول فيه النهضة العلمية التي تشهدها مدينة تريم، ودورها في خدمة الدعوة الإسلامية، وضرورة التمسك بالمنهج النبوي وعدم الاستجابة للدعوات الهدامة.