كيف تكون التوبة مقبولة عند الله ونحن لا نزال نقع في الذنوب والمعاصي؟

كلما صدقت توبتُك فهي مقبولةٌ عند ربك تكفِّر ما مضى، ومهما عُدتَ إلى المعصية، فإنه هو التواب، أي كثير التوبة على عباده، فمهما لم تُصِر على الذنب وعزمتَ على ألا تعود إليه، فإنه يقبل منك ما مضى فيغفره لك، قال سبحانه وتعالى: ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ) لهذا قال بعض أهل التحقيق من أهل العلم: إن جميع الأعمال الصالحة لا يمكن القطع بقبولها، إلا التوبة إذا استجمعت الشرائط فإنها مقبولة. يقبلها الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات.

 إذن فلا يظن الذي أوقعَتهُ نفسُه أو شيطانه في ذنوب بعد ذنوب، أنه أُغلِق عنه باب التوبة، أو أن وقوعه في الذنوب يمنعه أن يصدق في توبته إلى ربِّه، فذلك من أشد الدسائس التي يدسُّها إبليس على النفس، بل الواجب أن تسرع بالرجوع إلى الله وتحقيق التوبة إليه، وعسى أن يغفر لك ما مضى ويحفظك فيما بقي، فاطلب منه ذلك.

 ولا تكن أعجز من الرجوع إلى التوبة منك في الرجوع إلى المعصية، تُعاود المعصية ثم لا تُعاود التوبة؟ بل عاوِد التوبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ما أصرَّ من استغفر ولو عاد في اليوم سبعين مرة. رواه الترمذي وأبو داود. فإذا كان صادقاً في استغفاره فمهما غلبته بعد ذلك نفسه أو شيطانه، فعليه أن يصدق في الرجعة إلى الله تبارك وتعالى.

 وإنما يضرُّ الإنسانَ أن يرضى بالذنوب، أو يقرَّ نفسَه عليها، أو أن يقنط من رحمة الله ويظن أن لا توبةَ له، قال عليه الصلاة والسلام: بابُ التوبة عرضُه مسيرة سبعين عاماً لا يُغلق حتى تطلع الشمس مِن مغربِها. رواه الطبراني. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل توبةَ العبد ما لم يُغرغِر. رواه الترمذي. فعند غرغرةِ الروح في الحلقوم ينقطع حبلُ التوبة ويغلق بابُها على هذا الذي أشرف على الموت، كذلك عند طلوع الشمس من مغربها، قال تعالى: ( يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ) إذن فلا بد من سرعة التوبة إلى الله، بل ودوام على التوبة، قال نبيّنا المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائةَ مرة. رواه مسلم، وهذا الطُّهر الطاهر صلى الله عليه وسلم يجدِّد التوبة مائة مرة، وهو المُنزَّه عن جميع الذنوب والنقائص، فكيف بمثلي ومثلك أيها السائل؟ نحن الذين نحتاج إلى تجديد التوبة أكثر من مائة مرة في اليوم؛ لوقوعنا في الذنوب والمعاصي، فلنستغفرِ الله ونتوب إليه، قال تبارك وتعالى: ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا )  فإذا أراد الشيطان أن يستدرجك إلى الإصرار بحُجة أنك كذاب، وأنك عوَّاد إلى الذنوب، وأنك بعد كل توبة ترجع إلى الذنب، فلا يخدعنَّك، ولا تنقَد لحِيلته، وقل إن ربِّي هو التواب، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان قال وعزَّتك يا رب لا أبرح أغوي عبادَك ما دامت أرواحُهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني. رواه الحاكم.  

فيجب أن تصدق في التوبة، ولا تحدث نفسك بالرجوع إلى ذنب، ومهما عدت إلى ذنب، فعليك بالرجوع الصادق إلى الله، فإذا علم الله صدقك، كفاك شر الذنوب وحماك منها، وذلك عند تحقق القلب بالسجود لله، وتحققك بالافتقار إلى الله فهو يحميك ويحفظك، وإذا صدقت معه تكون محفوظاً فيحفظك من الذنوب كلها، فاصدق مع الله ينَلك الله من بِرِّه ما هو أهله.