تضمنت بعض كتب العارفين قصصا يخالف ظاهرها الشرع الشريف، فهل يمكن أن يصدر منهم ما يخالف الشريعة الغراء ؟

ما يُذكر في ما أشرت إليه في مسألتك فإن بعض ذلك مما ينسب إلى المشائخ بغير صحة النسبة إليهم ، وبعض ذلك مما له أوجه يعرفها اللبيب المحقق في المسائل أو الغائص على معاني النصوص، وباتساع الفهم في أسرار الشريعة يُعرف كثير من هذا الأمر ، فهل يُشكل منع سيدنا عمر بن الخطاب لشاب استأذنه ليذكر الناسَ بعد صلاة الصبح ويعظهم فمنعهم من ذلك، وعلل ذلك سيدنا عمر بقوله: إني أخشى أن تنتفخ حتى تبلغ الثريا. فمن أجل خوف شيء من الشر على ذلك المتكلم رجح له السلامة منه سيدنا عمر بن الخطاب بأمرٍ ظاهره المنع من الدعوة إلى الله ، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمعلوم أن ابن الخطاب عليه رضوان من قادة وأئمة وأفراد وأفذاذ وخاصة الآمرين بالمعروف والناهين عن النكر والداعين إلى الله عز وجل ، وإنما لاحظ تربيةً خاصة لذلك الشاب جرَّاه فيها مجرى التأديب ليسلم من شرور وليستنير له الضمير ويسلك مسلكا أوفى وما إلى ذلك، فمن غير شك أنه يكون له الخير عند الله والأجر في السكوت الذي أمره به أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لا أعظم وأجل من أن يتكلم ويخالف الأمر.
 من أمثال ذلك خذ أيضا اختلاف أحوال الناس في أفعالهم وأقوالهم ، فمن الناس من يتوجه عليه على حق مخصوص يكون قيامه به أفضل من تطوعه بكثير من العبادات الأخرى لا تلزمه على الخصوص أو لا يؤديها على وجهها المطلوب إلى غير ذلك ، فيمكنك التبصر في كل ما يشكل عليك على يد كل من تثق بهم من أهل المعرفة والتقوى في بلدك أو القطر الذي تكون فيه والله يتولى هدانا وبعين عنايته يرعانا.
ثم مع ذلك كله فإنا نشير عليك أن لا تجعل ذلك عائقا يعوقك عن الانطلاق فيما هو أهم وأقوم ولا مفتاحا لباب جدال مع صغير أو كبير فإن الذي يهمنا فقه الشريعة والعمل عليها ، أما إن فلانا قال أو فعل فإن فيهم من فليس من وُكِل حكمه إلينا ولا كنا وكلاء في محاسبته ولا مخاطبته وليست لنا القدوة في أحد في فعله لذلك الأمر الذي قد يُستشكل ، فالقدوة لنا ولهم جميعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلنجعل وجهتنا في أمرٍ جامعٍ مانعٍ من التعاون على المتابعة للمصطفى ، ولا نفتح أبواب الجدال ولا تضييع الأعمال بأنه لم قال فلان ، ولِمَ لم يقل فلان فليس حساب أحد منهم على أحد منا ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ) وما ذكرناه سابقا فلأجل التبيُّن والتبصر للمتوجه إلى الله في حق نفسه وذاته ليكون باطنه معمورا بنور من التقوى والفهم والمعرفة وحسن الظن متخلِّصا من شر وصمات سوء الظنون والأوهام واعتقاد السوء في خيار الأمة وبالله التوفيق.