(229)
(536)
(574)
(311)
رؤيتُنا التقصيرَ من إخوانِنَا أو فعلَ المعصيةِ أو تركَ الواجبِ يترتَّبُ عليه منا واجبات:
الواجبُ الأولُ: أن لا نتكبَّرَ عليهم ولا نجزم بسوءِ مصيرِهِم، بل ندينُ اللهََ تعالى بنصحِهِم، متوقعين أنَّهُ ربما كان هذا الذي ننقذُهُ اليومَ من المعصيةِ شفيعاً لنا يومَ نلقى الله، لأن الخاتمةَ والمصيرَ غيبٌ عنا، فلا نقيمُ الأمرَ على احتقارِ من رأيناه يعصي. فاحتقرِ المعصيةَ ولا تتكبرْ على أحدٍ من المسلمين، فقد نهى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عن التعاملِ بمثل ذلكَ مع أهلِ الكبائرِ ومن أقيمَ عليهم الحد، وزجرَ عن ذلك من بدرتْ منه البادرة، وقال للذي سبَّ من ضُرِبَ لأجلِ الخمر مرات (لا تكن عون الشيطان على أخيك)، (لا تفعل إنه يحبُّ اللهَ ورسولَهُ). فكانت التوبةُ فيما بعدَ ذلك صادقةً من أثرِ تلك المحبة. ولما رُجِمَ من اعترفَ بالزنا أربع مراتٍ وهو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يعرضُ عنه ثم رجمَه، فمضى بعد رجمِهِ فإذا باثنين يتحدثان؛ يقولُ أحدُهُما: ألا ترى كيفَ ماتَ هذا كما يموتُ الكلب. فغضبَ صلى الله عليه وسلم، ولما مرَّ على شاةٍ ميتةٍ قال: أين فلانٌ وفلان؟ قال: كُلا، قالا: يا رسولَ اللهِ يغفرُ اللهُ لك، كيف نأكلُ ميتة!؟ قال: (ما أكلتما من لحمِ أخيكما أنتنُ من هذا، وإنه الآنَ لينغمسُ في أنهارِ الجنَّة) هذا الأمرُ الأولُ.
الأمر الثاني: أن نستعملَ الوسائلَ لإنقاذِ صاحبِنا بإبلاغِ النصيحة له، مقدِّمينَ أقربَ الوسائلِ وأليقَها بخطابه، أو أكثرها تأثيرا عليه.
فهذانِ الأمران يجبُ أن يقوما معنا، وبسبَبِ تركِهما ينتشرُ الكِبْرُ والعُجبُ من جانب، وينتشر الاستخفاف بالسيئاتِ من الجانبِ الآخر، فلا بد أن تكونَ يقظةً في الضمائرِ، ووسط الأسرِ، وفي الحلقاتِ التي تضمنا في مناسباتنا، وفي وظائِفِنا، وعندما نلتقي مع أهلِ العمل، وفي السيارات التي نركب فيها مع الأصحاب، لابدَّ من ضميرٍ ينبِّهُ للزجرِ عن السيئاتِ. فإنه إذا رأينا من ترَكَ الواجِبَ قَصدًا أو فَعل المحرَّم ثم سكتنا؛ سرتْ الظلمةُ إلينا بسكوتٍ في وقتِ قدرةٍ على إنقاذِهِ أو على بلاغِهِ ونصحِهِ بما نقدرُ عليه، فبهذا التساهلِ والسكوتِ تنتشرُ كثيرٌ من السيئات والمخالفات، فلا بدَّ من القيامِ بالمهمَّتين: مهمةَ تهذيبِ القلبِ حتى لا يتكبَّرَ على المذنبِ، ومهمةِ النـزوع على الفعلِ إلى ما ينقذُهُ بما يُسْتَطاعُ من ذلك.
26 شَعبان 1425