صِلة الأقربين - 7 - فصل: (ومن الصغائر: النظر إلى حرام أو استماعه إلا للشهادة)

للاستماع إلى الدرس

شرح العلامة الحبيب عمر بن محمد بن حفيظ لكتاب صلة الأهل والأقربين بتعليم الدين للإمام عبدالله بن حسين بن طاهر رحمه الله، ضمن ضمن دروس الدورة العلمية في موسم شهداء مؤتة الأبرار رضي الله عنهم لعام 1445هـ - الأردن

ليلة الإثنين: 13 جمادى الأولى 1445هـ

نص الدرس مكتوب:

"ومن الصغائر: النظر إلى حرامٍ أو استماعه إلّا للشهادة، أو لإزالته، أو إكراه؛ ولزمته المفارقة إن قدر.

والاطلاع على بيت مسلم، وهجره فوق ثلاث إلا لعذرَّ شرعي، و مجالسة الفاسق للأنس

وتخطّي رقاب الناس، واستقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائطٍ في غير مُعدٍّ بغير ساتر، والاستمناء بغير يد حليلته، ومسّ الأجنبية والخلوة بها، ونظر امرأةٍ ووغيرها بشهوةٍ إلا لحليلة.

وسفر المرأة بغير زوجٍ أو محرَمِ أو نسوةٍ ثقاتٍ، وبيع المَعيب بلا بيان عيبه، وغش المسلم وخيانته، وكشف العورة ولو في خلوةٍ لغَير حاجةٍ، ونظرها مِن غير حليلته.

وتسويد الشيب والحناء للرجل بغير حاجة إلّاِ الشعر، ولبسه الذهب واستعماله، ولبسه الحرير أو ما أكثره منه بلا عذرٍ، وتشبه الرجال بالنساء وعكسه، والسؤال لغني بمالٍ أو حرفةٍ.

والحقد؛ وهو: إضمار السوء للمسلم، وظن السوء به إذا لم يكرههما مِن نفسه، واللهو بالرباب والطنبور والمزمار واستماعها.

 

 

الحمدلله مبيِّن شريعته الغرَّاء، على لسان خير الوراء، سيدنا محمد صلى الله وسلم وبارك وكرم عليه وعلى آله الممنوحين به طهرا، وأصحابه الراقيين به قدرا، وعلى مَن والاهم واتبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين سرًا وجهرا، وعلى آبائه وإخوانه مِن الأنبياء والمسلمين الراقيين في الفضل والكرامة أعلى الذُرى، وعلى آلهم وصحبهم وتابعيهم والملائكة المقربين وجميع عباد الله الصالحين، وعلينا معهم وفيهم برحمته إنه أرحم الراحمين.

وبعد،،

فيذكر الشيخ -عليه رحمة الله- في هذا الفصل بعض الذنوب والمعاصي والسيئات، بعد أن ذكر لنا الكبائر في الفصل الذي قبله، فيذكر لنا مِن هذه الذنوب الصغائر التي تجب التوبة منها والاحتراز عنها.

والمؤمن السائر إلى ربه -جلَّ جلاله- يجب أن يعتقد أنّ الذنوب بأصنافها كالسمّ القاتل، وكالنّار المحرقة، وكالمِياه المغرقة، لا يُحَدِّث نفسه بتناول شيء منها، فإن وقع في شيء منها بسابقةٍ عليه، تداركَ نفسه بالتوبة والرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى-، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران:135-136].

 

النّظر إلى الحرامٍ

يقول: "ومِن الصّغائر النّظر إلى حرامٍ"؛ أيُّ حرامٍ كان؛ يعني النظر إلى مَن يشرب الخمور، النظر إلى مَن يستعمل الفجور، النظر إلى مَن يسب المسلمين، والنظر إلى مَن يسرق، إلى أيِّ حرام حرّمه الشرع.

"أو استماعه"، استماع ما حرم الشرع؛ إما مِن الآلآت المحرمة؛ أو الكلام القبيح البذيء؛ أو الغيبة؛ أو النميمة، أو ما إلى ذلك.

"إلاَّ للشهادة"، إذا كان الأمر يحتاج إلى إثبات عند الحاكم، ويتم النّظر مِن أجل أن يشهد عند الحاكم لإقامة الحدِ؛ أو لقلع تلك المعصية. فلضَرورة الشهادة ينظر بمقدار ما يتثبَّت ويُؤدي الشهادة على وجهها؛ لغير ذلك لا يجوز أن يتعمَّد النظر إلى مَن يفعل الحرام، أو يقول الحرام أو يستمع إليه، أو ينظر إليه؛ إلَّا مِن أجلِ الإزالة؛ إذا عنده قدرة على إزالة ذلك الحرام وذلك المنكر، فهو لا ينظر إليه ليؤنس أصحابه، ولا ليُمتِّع نفسه بالنظر إليه؛ ولكن ليزجر ولينهي ذلك المنكر. "لإزالته أو إكراهٍه"، أُكره عليه واجتمعت شروط الإكراه فلا يستطيع المخالفة.

قال: "ولزمته المفارقة إن قدر"، فمهما قدر على أن يفارق محل فعل الحرام، أو قول الحرام، ومحل فعل المنكر، فيجب عليه أن يفارق ذلك المكان، ويذهب إلى غيره، ولا يقول: أنا منكِر بقلبي وما عليّ منهم فهم في منكرهم!!. فيقول: أيضًا مِن المنكر أن تجلس معهم، مِن المنكر أن تستمر في النظر إليهم والحديث إليهم، فلا يجوز ذلك بل تفارقهم ما دمت قادرًا على المفارقة.

هذه من جملة ذنوب العين، وذنوب الأذن؛ النّظر او الاستماع إلى الحرام إلاَّ:

  • لأجل الشهادة عند القاضي. 
  • أو لأجل إزالة ذلك المنكر. 
  • أو بوجه إكراهٍ. 

ومَن قدر على المُفارقة لزمته المفارقة لموضع المنكر ومكان المنكر، فلا  يقيم فيه لغير ضرورة وبغير عذر.

 

من الذنوب الاطّلاع على بيت مسلم

قال: "والاطّلاع على بيت مسلم"؛ يعني: التَّشوف والنظر إلى بيت الغير بغير إذنه -مسلم أوغيره- الاطلاع على بيوت الناس أو التفرُّج لما فيها:  أما أن ينظر مِن شقوق أو ثقوب أو ينظر مَن مكان أعلى إلى ما يكون في ذلك البيت أو بأي طريقة مِن النظر ينظر إلى بيت الآخر، إلى غرف الآخر مِن دون أن يكون ذلك راضيًا بالنظر إليه؛ فيحرم أن ينظر إلى بيت الغير بغير إذنه، حتى أكَّد ﷺ  في الاستئذان عند دخول البيت قال: يصرف نظره عن الباب حتى لا تقع عينه على شيء عند فتح الباب يحب أهل البيت ستره عنه، فإنّما جُعل الاستئذان مِن أجل النظر. يعني: مِن أهم مقاصد الاستئذان أن لا يرى شيئا ما يحب أهل البيت أن يروه، إنما جُعل الاستئذان مِن أجل النظر، فيحرم نظرُ بيت الغير، والاطِّلاع على بيت الغير بغير إذنه.

 

هجر المسلم لأخيه المسلم فوق ثلاث

كذلك: "هجر -المسلم لأخيه المسلم- فوق ثلاث"، وإنما كان هذه الثلاث مراعاة لتلك الطبائع البشرية التي تغضب، فلا يطيق مقابلة أخيه ولا مكالمته؛ يوم.. يومين.. ثلاث.. وانتهى ثم بعد هذا ليس لك عذر، يجب أن تراجع نفسك "لا يحلُّ لمسلمٍ أن يَهجرَ أخاهُ فوقَ ثلاثٍ فمن فعلَ ذلك فماتَ دخلَ النَّارَ، -والعياذ بالله تعالى- يَلْتَقِيانِ: فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ صاحبه بالسَّلامِ"، فهجرُ المسلم لأجل شيء مِن الاستثقال أو شيء مِن حقوق النّفس أو حقوق الشخص قصَّر فيها أو شيءٍ ما أعجبه منه؛ لا يجوز فوق ثلاث، والثلاث إنما هي مراعاة لطباع عامة المسلمين، وأما الأكياس فلا ثلاثة أيام، ولا ثلاث ساعات، بل يُراجعون أنفسهم في نفس الحال، (...وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [ال عمران:134]

"هجرُهُ فوق ثلاث إلاَّ لعذر شرعي" بأن يكون:

  • هجرهُ؛ لأجل الدين.
  • هجرهُ؛ لمُجاهرته بالفسق.
  • هجرهُ؛ لإصراره على المعصية.

نهاه عنه فلم ينزجر، فيجوز أن يهجره لأجل الدين. هذا وإن كان فوق الثلاث وإن كان مدة طويلة لا لنفسه، ولا لأغراض نفسه؛ ولا لغضبه؛ ولا لأجل نفسه؛ ولا لشيء يتعلق بشخصه، فهذا الهجر بالعذر لأجل الدين.

 

مجالسة الفاسق

وقال: "ومجالسة الفاسق للأُنس" به أو لإدخال الأُنس عليه حرام، إمَّا هو يأنس بالفساق، أو يدخل الأُنس عليه فهذه المجالسة التي  يسري شرَّها إلى الجليس "ومثل الجليس السوء كنافخ الكير، إما أن تطير شرارة فتحرق ثوبك، أو تجد منه رائحةً منتنة" رائحة كريهة أقل شيء تعبق فيك الرائحة الكريهة، ولذا كان يقول بعضُ العارفين: لو أنَّ إنسان على تقوى واستقامة؛ ولكن جاء حضر مع ناس يعصون الله تعالى؛ ويغتابون ويفعلون آلات مُحرمة، وقال: ما علَيّ منهم، هم في جَانب، وأنا في جانب في الغرفة تلك، وذهب وأتى له بأذكار وقعد يذكر ويقرأ، قال: إذا جلس هكذا لا يأتي آخر النهار إلاَّ وهو بينهم، وسطهم في حَلقتِهم وشرهم، للسِّراية التي تسري مِن هؤلاء الأشرار، فيجب مفارقتهم، وعدم الجلوس معهم.

"مجالسة الفاسق"، وهذه مؤثرات قويّة على الناس، واشتغل إبليس على بثها؛ لأجل الإفساد لإضعاف الإيمان ولتَكدير الجَنان ولأجل الإعراض والبعد عن الرحمن -جلَّ جَلاله-، فبمُختلف الوسائل صار الناس الآن ممكن أن يجالس فسَّاق وأشرار ما هم في بلاده ولا هم جواره، ربما قد ماتوا، وفي أبعد بلد مِن بلده بواسطة هذه الأجهزة ويجالسهم ويتفرج على صورهم. فإن كانوا على قول حرام، أو فعل حرام فَرؤيتهم بذلك حرام، متَابعتهم في ذلك حرام، تسري منها إليك سِراية ظُلمة، وسِراية صدّ وإبعاد، فيجب الابتعاد عن ذلك. دفع الله عنا، وعن المسلمين أنواع الشرور وكل محذور.

 

تخطي رقاب الناس

 قال رضي الله عنه وعنكم: "وتخطي رقاب الناس" في أن يمر والناس جالسين، فيرفع رجله فوق أكتافهم ليمر بينهم، فتتخطَّى رجله رقاب الناس، فتخَطِّي الرقاب حرام، لا يجوز تخطي رقاب الناس؛ ولكن يمشي بينهم ورجلاه في الأرض لا ترتفع فوقهم ولا إلى عند رقابهم، إلَّا إذا تركوا فراغًا في الصّفوف في الصلاة، فيجوز تخطيهم للوصول إلى ذلك الفراغ؛ لترْكهم لتلك الثلمة، وما عدا المعذور لا يجوز له أن يتخطى الرقاب، بل إذا أراد مكانًا متقدمَا فليحضر متقدمًا ومبكرًا، ويسبق قبل أن يزدحم الناس، فإذا ازدحم الناس فلا يجوز تخطّي رقابهم، أي: يجعل خطواته مواجهة لرقاب الناس، وأن يرفعها فوق أكتاف الناس هكذا، ففي هذا استهانة واستخفاف محرمًا في الشريعة، لا يجوز، "وتخطي رقاب الناس…"

 

بعض من صغائر الذنوب 

 قال رضي الله عنه وعنكم: "استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائطٍ في غير مُعدٍّ" -أي غير مكان مُعد لقضاء الحاجة- "بغير ساتر"؛ لقول النبي ﷺ لأهل المدينة: "لا تَستَقبِلوا القِبلةَ، ولَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَولٍ أو بغائِطٍ، ولكنْ شَرِّقوا أو غَرِّبوا"؛ لأن قبلة المدينة في جهة الجنوب، وهكذا يحرم أن  يستقبل ويستدبر القبلة وهو يقضي حاجته، إلاَّ في مكان مُعدٍّ لذلك، ومختلف فيه ما بين الكراهة، وما بين القائلين بحرمة، وايضًا إذا لم يكن بينه وبين القبلة ساتر، يكن بينه وبينها أقل مِن ثلاثة أذرع، ويكون مرتفعًا عن الأرض ثلثي ذراع فأكثر، هذا الساتر الذي يستر، يحول بينه وبين الكعبة والقبلة، فينبغي مِن حين تكوين غُرَفنا وبيوتنا وأماكن قضاء الحاجة في شققنا وفي ديارنا أن نجعل الكرسي  في غير استقبال القبلة، ولا استدبارها..

قال: "والإستمناء بغير يد حليلته"، أي: زوجته؛ وهو طلب خروج المني، لا يجوز إلاَّ بما قال الله -تبارك وتعالى- (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) [المؤمنون:5-6].

"ومسّ الأجنبية، والخلْوة بها"، ويذكر في الحديث: "لَأنْ يُطعَنَ أحدكم بِمِخْيَطٍ في عَينِه خيرٌ له من أن يمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له"، والخلوة قال عنها ﷺ: "مَا خَلا رجُلٌ بامرأةٍ إِلَّا كَانَ الشَّيطانُ ثالثَهما".

"والنظر لامرأةٍ أو غير امرأةٍ بشهوةٍ"، فالنّظر بشَهوة جنسية محرَّم، لأي شيء كان النظر بالشهوة الجنسية حرام لأي شيء كان؛ امرأة أو غيرها أو صورة أو أي شيء ينظر إليه بالشهوة..

قال: "إلاَّ للحليلة"، أي: الزوجة بل له في ذلك الثواب، "قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له أَجْرٌ؟ قالَ: نعم، أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَلا يكونُ عليه وِزْرٌ؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ."، ومِن هنا كان مِن أفضل العبادات، والقربات للأزواج إحسان معاملة الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها وتزيُّن كلٍّ منهما للآخر ومُباسطة كل منهما للآخر ِمِن أفضل العبادات المقربات للحق -سبحانه وتعالى-

"وسفر المرأة بغير زوج أو محرم أو نسوة ثقات"، فيكون مِن جملة الذنوب، والمعاصي لقوله ﷺ: "لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ، أَنْ تُسَافِرُ إلَّا مع زَوجٍ أَو ذِي مَحْرَمٍ" قَالُوا: وَلو لِلحَجّ، وَلو لِلحَجّ؛ إلاَّ أَنْ تَجِدَ نِسوة ثقات" فتسافر معهن، فيجوز أن تذهب إلى الحج، قال جماعة مِن الفقهاء هو المعتمد عند الشافعيةأنه لحجة الفرض لا للتطوع، وأما للتطوع فلا بد من زوج أو محرم، ولمَّا جاء إلى النبي ﷺ بعض الصحابة وهو ﷺ خارج في غزوة، "وقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ في غَزْوَةِ كَذا وكَذا، وإنَّ امْرَأَتي ذهبت تَحُج، ليسَ مَعَها أَحَد، قالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مع امْرَأَتِكَ." اذهب فحج مع امرأتك وأمره أن لا يخرج إلى الغزوة، ويذهب يحج مع امرأته ولا يتركها وحدها تحج، فهو المرشد الأقوم ﷺ، والفاهم الأعلم  بما يُصلح الخلائق، إذ هو مأمون الخالق على الخلق صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم.

نعم…"سفر المرأة بغير زوجٍ أو محرَمِ أو نسوةٍ ثقاتٍ"، إلا أنَّ بعض الفقهاء قيّده بالسفر الطويل، بعضهم قيده بسفر الثلاثة أيام، ولما جاء في رواية "لا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ أنْ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثلاثٍ إلَّا مع زَوجٍ أو ذِي مَحْرَمٍ"، وأخذ جمهور الفقهاء للشريعة بعموم الأحاديث في السفر مِن دون تقييد بطويل ولا قصير.

"وبيعُ المعيب بلا بيان عيبه"، يعني: أيّ بضاعة فيها عيب مِن العيوب فيبيعها مِن دون ما يبين هذا العيب للمشتري، فهذا مِن جملة الذنوب والمعاصي، فيجب مَن كان يوجد عيب في شيء مِمّا يبيعه أن يبينه للمُشتري، ويقول: هذا فيه كذا وكذا. تأخذه به أو تتركه.

وهكذا قال: أرسل سيدنا أبو حنيفة -عليه رحمة الله- ثلاثمائة حُلَّة إلى وكيل له يبيع، قال له: واحدة من الحُلل الفلانية فيها العيب الفلاني فاحذر أن تبيعها حتى تبيِّن للمُشتري عَيبها، وصَلته الرسالة، ثم أنه بعد أيام وجد مُشتري اشترى الثلاثمائة كلها، فأعطاه إياها بثمن جيد، ربح فيه نحو ثلاثة آلاف، فكتب إلى أبي حنيفة إنَّ الصّفقة نجحت عندنا، وإنَّا بعنا الثلاثمائة الحُلَّة بكذا كذا، فربحْنا فيها ثلاثة آلاف، فكتب إليه؛ هل بيَّنت للمُشتري العيب الذي في الحُلَّة الفلانية؟ فكتب إليه إنّي بعتها جملةً واحدة ونسيت أن أُبَيّن له. قال: فاقبض رأس مالها وربْحها الثلاثة الآلاف، وأخرجها مِن بين تِجارتي وتصدق بها، ولا تدخل فيها درهمًا واحدًا إلى مالي. وأمرهُ أن يأخذها كلها لأنه باعها بيعة واحدة قال: كلّها؛ ثمنها وربْحها إفصله عن تجارتي ولا تدخله، وذلك مِن احتياط الإمام أبي حنيفة وورعه وخوفه مَن الله -جلَّ جلاله-، وما كانوا أئمة إلَّا بذلك عليهم رضوان الله، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ..) [فاطر:28].

وهكذا، ولمَّا فَسد لبن بعض الأبقار لبعض مشايخنا، وكانت البقرة اشتهرت في البلد بكثرة اللبن، وكأنه أصابها مثل العين وتغيَّراللبن، فأخذوا يبيعونها. فقال للذي يبيع: لا تبيع على أحد حتى تحلب أولًا لبنها بما فيه مِن تغيُّر، وقل للمشتري هذا لبنها، أتشتريها بهذا وهي إلاَّ مشهورة بأنها ذات لبن  حسن فَسيُقبل الناس عليها، قال: لا أحد سَيشتريها. قال: لا يشتريها أحد!! إمَّا تُبيّن وإلاَّ لا تبيع، رُدَّها إلينا. وهكذا قال له احلب منها، وقل له انظر هذا  تغير لبنها الى هذه الصورة، تريدها بهذا العيب وإلاَّ تردها، فهكذا المُحتاطون لدينهم.

قال: "وَغِشُّ الْمُسْلِمُ وَخيَانَتُهُ" فِي أيِّ قلِيلٍ، أوَ كَثِيرٌ،..

"وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ وَلَوْ فِي خَلْوة لغير حاجة"، إما لقضاء الحاجة؛ أو للاغتسال؛ أو للاستنجاء وما إلى ذلك، فلغير حاجة ما يجوز له أن يكشف عورته ولو كان في خلوة للفرْج مِن غير حاجة. قال ﷺ: "فاللَّهُ أحقُّ أن يُستحيا منهُ"، لما قيل له: أفرأيت إن كان في خلوة؟ قال: "فاللَّهُ أحقُّ أن يُستحيا منهُ" -جلَّ جلاله وتعالى في علاه-، لكن لأي حاجة، فبمقدار الحاجة يجوز ذلك…

قال: "وَنَظَرُهَا مِنْ غَيرِ حَلِيلَتِه"، ونظرها مِن حليلته مكروه، ومِن غير حليلته حرام…

"وتسويدُ الشّيب والحناء للرجل بغير حاجة"، تسويد الشيب: ما يظهر من بياضٍ في شعر الرأس واللحية فيُسَوِّده، بصبغ أسود، فجمهور فقهاء الإسلام على أنَّ ذلك حرام.

قال فقهاء الشافعية: إلا للجهادِ إذا كان يقابلُ الكُفَّار، وإذا رأوه بالشعر الأبيض استَخَفُّوا بأنَّه ضعيف وأنَّه مُسِن يَسهُل مُقَاتَلته، فَيُريد أن يُرعِبَهم فَيُسَوِّد شعره ليظُنُّوا أنَّه شاب قوي ويخافوا منه فهذا يجوز لأجل الجهاد.

وكذلك بحث الشيخ الرملي أيضًا: إذا كانت المرأة متزوجة ويُحبّ زوجها أن تُسَوِّد شعرها فَتُسَوِّد شعرها تزينًا لزوجها فذلك يجوز لها، ومن المعلوم أنَّه إذا كان تسويد الشّيب من أجل الإغراء ومن أجل الغش فهذا حرام من غير شك، وإن كان أيضًا للجهاد فهو حلال، وإن كان للمرأة بإذن زوجها وبأمر زوجها وبرَغبة زوجها فهذا أيضًا من فقهاء الشريعة مَن أجازه وابَاحه.

لغير ذلك الجمهور على أنَّه يَحرُم، وأول من شاب من بني آدم سيدنا الخليل إبراهيم، وعَجِبَ ما هذا البياض الذي ظهر في الشعر!! وسأل ربه قال: وقار ونور، فقال: ربي زدني من نورك.

"وتسويد الشيب والحناء للرجل"، أمَّا صَبغُ الشعر بأنواع الصّبغات فهذا أيضًا من جملة ما جرى فيه شيء من اللعب والضحك على العقول، أحيانًا يأتون بألوان غريبة وصبغ أو صبغات، إمَّا عدد من الألوان في وقت واحد وإلا لون يشبه؛ إمَّا قطة وإمَّا يشبه كلب وإمَّا يشبه شيء من حمار أو شيء من هذا، ويستحسنونه ويزينونه، وهو لعب عليهم؛ -ما أحد يضح عليك هكذا-، وبعضهم حسَّنوا إليهم حتى الأسْود يُبَيِّضُونه، فهذا الشيب الذي تَنفِر منه الطباع وتحب السواد فلماذا؟! هذه تُبَيِّض الأسود، أو تجعله عدة ألوان يكاد صاحب الطبع السليم يَنفِر منه ويَفزَع منه كأنَّه لحيوان وليس لامرأة ولا لإنسان، فينبغي أن لا يُستَرسَل في مثل ذلك لغير عقل وبصيرة وإرادة حسنة، ويكفيهم من الصبغ ما أرشد إليه ﷺ من الصُّفرَة والحُمرَة.

وقال له: اجتنب السواد في شأن الرأس واللّحية، هذا عبد الرحمن كنيته أبو قحافة، أبو قحافة والد سيدنا أبو بكر الصديق، جاء في يوم الفتح ورأسُهُ ولِحيتُهُ كالثُّغَامَةِ شديدة البياض، فقال ﷺ: "غَيِّروا شيبَ هذا بِحُمرةٍ أو صُفرة، وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ."، وكان جاء به سيدنا أبو بكر يقوده الى عند النبي ﷺ وأسلم وهنَّأ النبي أبا بكر بإسلام أبيه، قال واجتمع لأبي بكر الصُحبة في أربع طبقات ولم تجتمع لغيره، فإن عدد من الصحابة هو وولده صحابيان، وقليل منهم هو وولده وولد الولد، وأمَّا أربع طبقات فلم يجتمع إلا لأبي بكر الصديق:

  •  كان والده لمَّا أسلم صار صحابي 
  • وهو صحابي 
  • وأولاده 
  • وأولاد ولده أدركوا النبي ﷺ

 فصار أربع طبقات صحابي بن صحابي بن صحابي بن صحابي. فقال له النبي ﷺ: لِمَ لَمْ تترك الشيخ في البيت وأنا آتي أنا أزوره؟ لأنه أصبح كبير ويقوده سيدنا أبوبكر، قال له لو تركته أنا آتي عنده هناك ﷺ مِنْ كَرِيم خُلُقِه، ولمَّا أسلم هنأه بإسلام أبيه. قال سيدنا أبو بكر: بل هو أحق أن يأتي إليك يا رسول الله، أنت أحق أن يُؤتى إليه، فما أعظم تواضع سيدنا رسول الله وما أحسن أدب أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-.

قال: "بغير حاجة إلا الشعر" بالحناء للرجل يكون في الشعر لأجل يُحَمِّرُه، لمَّا يَبْيَض الشّعر يُحَمِّرُه، فيجوز استعمال الحناء في شعرهِ سواء شعر اللحية أو الشارب أو العارضين أو الرأس أو الحاجبين؛ الشعر في عموم جسده يجوز له أن يستعمل له الحناء لأجل أن يُحَمِّر الشعر الأبيضوأمَّا في غير الشعر فالرّجل ليست له الحناء والحناء للمرأة، فللمرأة أن تُحَنِّي ولا يُحَنِّي الرجل؛ إلا لحاجة كمداواة ومعالجة.

قال: "وَلِبسَهُ الذَّهَب واسْتِعمَالُه"؛ لقول النبي ﷺ في الذهب والحرير: "هذانِ حرامٌ على ذُكورِ أُمَّتي، حِلٌّ لإناثِهم"، لا يَستعمِل الذهب؛ لا خاتم ولا قلم ولا أي أداة من الأدوات يستعملها الرجل من الذهب. لمَّا حَرَّمَ ﷺ الذهب ورأى على رجل خاتم من ذهب، أخرجه من إصبعه ورماه، ﷺ قال: "أيعمَدُ أحدُكُم إلى جمرةٍ من نارٍ فيضعها في إصبِعِه" وبقي الرجل في المجلس ثم قام، فقالوا له: خُذ خاتمَكَ فقالَ: لا والله لا آخذُهُ وقد رماهُ رسولُ اللَّهِ ﷺ، والله لا أريده ولم يعد لي فيه غرض"، وذهب وتركه.

إذًا يَحرُم على الرجل استعمال الذهب بأي آنية من الأواني أو لبس الذهب، بخلاف المرأة يجوز أن تلبس من الذهب أي شيء كان، فإن كان أمثال عادتها من النساء فلا كراهة في ذلك، ولا زكاة في مُعتمد مَذهب الشّافعية عليها في الحُليِّ المعتاد الذي لم تتخذه الا للبس -للاستعمال- وإن زاد على عادة أمثالها من النساء وجبت فيه الزكاة.

قال: "ولبسُه الحرير" كذلك، ويجوز للمرأة أن تلبس الحرير وأن تفتَرشه، والرجل لا يجوز أن يلبسه ولا أن يفتَرشه ويجلس عليه.

"أو ما أكثره منه -من الحرير- بلا عذرٍ"؛ لا يجوز، والعذر مثل ما كانت الحَكَّة عند سيدنا عبدالرحمن بن عوف وشكى للنبي ﷺ من الحَكَّة وأنَّه لمَّا يلبس أي لباس يؤذيه إلا الحرير، فَأَذِنَ له في لبس الحرير الذي يلي جسده من أجل الحَكَّة التي فيه، لهذا قال: "بلا عذرٍ".

"وَتَشَبُّه الرَجُلِ بالنِّساءِ"، وتشبه النساء بالرجال؛ وَردَ فيه اللعن، وعدَّهُ كثير من العلماء من الكبائر.

 

السؤال وهو قادر على الكسب باسم الفقر حرام

 قال رضي الله عنه وعنكم: "والسؤال لغنيٍ بمالٍ أو حرفةٍ"؛ من كان يقدر على الكسب ويسأل باسم الفقر لأجل النفقة وهو يقدر على أن يكتسب، إمَّا مال موجود لديه وإلا حرفة معه ومهنة؛ يقدر أن يكتسب بها، فسؤاله وهو قادر على الكسب باسم الفقر حرام، وما يأخذه حرام كذلك مادام أخذه بهذا الاسم.

وكل من أخذ مالًا من غيره تبرعًا من الغير بوصفٍ؛ باسمِ وصفٍ من الأوصاف وليس هذا الوصف فيه فالمال حرام، إلا أن يكون الوصف فيه؛ فإن أخذه باسم أي وصفٍ وليس الوصف فيه فأخْذه له حرام، ولا يجوز له استعماله ويجب عليه رده لصاحبه.

فإن أخذه بوصف أنَّه مَدين، فإن كان مدين فبمقدار الدَين الواقع يجوز له أخذه وما غير ذلك لا يجوز، وأخذه بأي وصفٍ آخر، ادَّعى أنَّه من أصحاب فلان وهو ليس من أصحاب فلان فأُعطي، ادَّعى أنَّه يفعل كذا كذا ولم يفعل ولا يفعل كذا كذا وأُعطِي لأجل ذلك، تظاهر بصلاح وأُعطِي على أنَّه صالح وهو يعلم نفسه غير سالك مسالك الصالحين، فلا يجوز أن يأخذ باسم الصلاح؛ وهو ليس من أهل الصلاح، تظاهر بالعلم وهو يعلم نفسه أنَّه ليس عنده إلا كلمتين يلعب بها، ما عنده اطِّلاع في العلم، فأعطوه باسم أنَّه عالم، فما يأخذه حرام عليه ولا يجوز لأنَّه في غير محلّه، أخذه والوصف ليس فيه.

وهكذا كمثل ما يُؤخذ بالحياء مما يسأله أمام الناس يستحي منهم، وإلا يُلحُّ عليه ويجعله يخرجه ونفسه لم تُرِد، فما أُخِذَ بوجهِ الحياء كما أُخِذَ بالسيف، فلا يجوز إلا ما كان عن طيب نفس.

 

الحقدُ

قال: "والحقدُ -والعياذ بالله- وهو: إضمار السوء للمسلم"، وذلك أنَّ الغضب إذا ثار على الإنسان اقتضى أن يتصرف في من غضبَ عليه، فإن كان لا يقدر على أن يشفي غيظه فيه فإنَّ ذلك يتحوّل الى إضمارٍ يضمره في القلب هذا هو الحقد، غيظ يضمره في قلبه فيصير هذا هو الحقد -والعياذ بالله تبارك وتعالى- أساسه الغضب.

 

إضمار السوء في المسلم أو ظنُّ السوء 

"إضمار السوء للمسلم، وظنُّ السوء.."، "إنَّ الله حرَّم من المسلم دمُهُ ومالُهُ وعِرضُهُ وأن يُظنَّ بهِ ظَنَّ السوء" فكل ما يتأتّى تأويله بخير لا يجوز أن تظنّ به السوء.

وهكذا يقول بعض الأخيار من العارفين لو أنِّي رأيت إنسانًا على معصية وحالت بيني وبينه شجرة فلقيته، لاعتقدت أنَّه من أولياء الله لاحتمال أنَّه في هذه اللحظة أحدث توبة صادقة وبدل الله سيئاته حسنات، هذا في واجب حسن الظن.

 "إذا لم يكرههما"، أمَّا إذا كَرِهَ في ما يحس في باطنه من إضمار السوء ولا يريد أن يعمل به، وما يحس في باطنه من ظن السوء يكرهه ويود أن يتخلص منه فلا إثم عليه؛ "إن الله تجاوز للنبي عن هذه الأمة الخطأ والنسيان وما حدَّثَت به نفسها ما لم تتكلم"، "إذا لم يكرههما من نفسه".

 "واللهو بالرَّباب والطنبور والمزمار واستماعها". من الآلات المحرمة والآلات التي تستعمل لأجل الطّرب: 

  • منها ما هو مباح، كمثل الطار وقد جاءت فيه أحاديث.
  • ومنه ما هو محرّم بالنص.
  • ومنها ما لم يرد فيه نص فهو محل اجتهاد الفقهاء، عليهم رضوان الله تبارك وتعالى.

ثم هذا من من حيث عين الآلة، أمَّا من حيث ما يقال في الآلة أو ما يصاحبها:

  • فإن صَاحبَها كلام بذيء، أو حركات مثيرة للشهوات ومُزْرية، وأدى الى فعل المعصية فهو معصية وحرام، ولو كان بِطارٍ أو بشيء مباح في أصله، إذا قام باختلاط رجال بنساء أو ببعث الشهوات المُحَرَّمَة فذلك حرام.
  • ولكن إذا سلِم من هذا، فالآلة في حد ذاتها منها ما هو مباح ومنها ما هو محرم.

وقد الَّف في ذلك الشيخ عبدالغني النابلسي كتابًا، وتكلم الإمام الغزالي في كتب إحياء علوم الدين بكتاب خاص سماه كتاب آداب السماع والوجد، وألَّف الشيخ ابن حجر وغيرهم، ولأهل العلم في ذاك اجتهادات ونظرات.

وأمَّا ما قارنه منكر كإثارة الشهوة والإثارة على فعل الحرام، او اختلاط نساء برجال أو كان كلام ماجن خبيث؛ فذلك محرم بالاتفاق.

 

قال رضي الله عنه وعنكم:

فَصلٌ

"وأما المكروهات . . فكثيرةٌ:

فمنها: المماراة وكثرة الخصومة من المُحِق، وكثرة المزاح، وكثرة الكلام بما لا يعني؛ وهو: ما لا يحصل به نفعٌ ولا بتركه ضررٌ إلّا لنحو إيناس زوجةٍ أو ضيفٍ أو مسلمٍ بقدر الحاجة، والسمر بعد العشاء إلا لذلك أو في خيرٍ.

وكثرة الضحك وهو مما يميت القلب، وإدخال المجنون والطفل مما يخاف تقذيرهم المسجد، وكذا مَنْ أكل كريه الريح، وقيل: يحرم.

وكثرة الشبع ودوام التوسع في الأطعمة، وتطويل البناء بلا عذرٍ، والفكر في النساء، والكلام بشهوة حال الجماع، ونظر فَرْجِ الحلال.

وصلاة الرجل منفرداً وهو شديدٌ يدل على حمقٍ جليٍّ أو كفر خفيٍّ، نسأل الله العافية.

ومنه: ارتكاب الشبهة في فعلٍ أو قولٍ".

جَنّبنا الله المَكروهات والمُحرمات…

  • والمكروه: ما يثاب على تركه امتثالًا ولا يُعاقب على فعله، وهي كثيرة منها:
  • المُمَاراة: وهو الاعتراض على كلام الغير، هذا من آفات اللسان وقد يُؤدي إلى محظورات كثيرة.

 

 فكلام غيرك إذا كان:

  • ليس فيه شيء يتعلّق بالشّرع ولا بتحليلِ حرام ولا بتحريمِ حلال. 
  • ولا إضرار بأحد مِن كلامه. 

فما يضرك أن تسكت عنه حتّى ولو كان كلامًا خطأ؟!! كلام خطأ لكنه ما يمسّ الدين، ولا يضرّ أحد من الناس دَعهُ يُخطئ إلى أن يشبع، مجرَّد كلام، تقول له: لا لا لا هذا ليس هكذا، وكم من الناس هكذا يتغلّب عليهِمُ المِراء ويُخرجهم مِن المِراء إلى الجِدال، ويُخرجهم إلى القطيعة.

حتى قال: حصل الحدث قبل الساعتين، قال: لا لا قبلها بقليل، قال: لا لا بعدها، ويقومون يتخاصمون، حصل قبل أم حصل بعد ماذا عليكم منه؟ لا يترتب على هذا شيء، قال: وفلان التقى  بفلان، قال: لا ما التقى به ولم يَرَه، قال: نعم أنا أعرف إنه رآه وجَلس معه، قال: لا ابدًا غلط هذا الكلام، وثُمَّ.. رأوه أم لم يَرَوُه ماذا عليكم؟! وتقومون تتَخاصَمُون ويَعْترِض، دَعُوه يتكلَّم بأيّ كلام.

إذا كان الكلام يمسّ الدّين ويغير شيء من أحكامه فواجب عليك تبين له، أو يضر أحدًا من الناس تقول له لا حتى لا يصل الضرر، أما ما لا يضر ولا له علاقة بالدين فدَعُهُ يتكلم ولا تعترض أبدًا.

 

فهذه "المُماراة" مَكروهة، "كثرة الخُصُومة مِن المُحقّ"؛ صاحب الحقّ المظلوم، كثرة الخصومة مَكروهة له، يكفيه أن يُطالب بحقه بالأسلوب الطّيب في أوقاته، وأما يظل يتكلم؛ فعل فلان، ترك فلان، ظلمني، أخذ حقي، يظل كل يوم يأتي وليل ونهار وو.. وثمَّ! وإن كنت مُحق.

بل لو ترك المِراء كله وهو مُحق بنى الله له بيت في أعلى الجنة، من ترك المِراء وهو مُبطل؛ ما له حق ولكنه بعد عن المُماراة يبنى له بيت في ربَضِ الجَنة، هو مُحق ما له حق لكنَّه كان بإمكانه يصعد مسألة ويصلّح مشاكل، رآها تذهب إلى مِراء قال يَكفِي بس.. سكت وترك الأمر؛ يُبنى له بيت في ربض الجنة مع أنّه مُبطل ما له حق. وإن ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتا في أعلى الجنة. "أنا زعيمٌ" يقول ﷺ: زعيم؛ ضامن "ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وهو مُبطل، وببيتِ في أعلى الجنةِ لمَن تركَ المِراء وهو مُحِقّا".

وهكذا يقول شيخنا الحبيب إبراهيم بن عقيل -عليه رحمة الله- بن يحيى، قال: سطا بعض الأقارب على أرض لنا واسعة، فأخذت الحجج والبراهين والأوراق والخطوط والوثائق فيها وطلعت الى مدينة تريم من أجل أن أقدم عليهم عند القاضي يردُّون حقنا، قال:  لمّا دخلت من باب المسجد كان فيه شيخنا الحبيب عبدالله الشّاطري، لما دخلت من باب المسجد قال: "يا إبراهيم من نازعك في دينك فنازعه، ومن نازعك في دنياك فألقِها في نَحره". قال: مرحبا، قال: جئت سلَّمت عليه ورجعت أنا وخُطوطي ووثائقي إلى القرية وتركت، يقول وكلَّمنا في آخر عمره وهو فوق الثمانين، يقول: من ذاك اليوم إلى الآن ما أوقفني الله على مَعسُور ولا احتجت إلى أحد، والأرض ما عاد التفت إليها.

قالوا: "من نازعك في دينك فنازعه ومن نازعك في دنياك فألقها في نحره". فمع أنَّه يجوز له أن يأخذ حقه وأن يتوصل له؛ ولكن كثرة الخصومة مكروهة مِن المُحق، أما من المُبطل حرام.. من المبطل حرام يخاصم، ما لك شيء روح لك نفسك حرام عليك تدّعي ما ليس لك.

 

كثرة المزاح

 فالمِزاح في وقته وفي مَحلّه من السنة، أما "كثرة المزاح":

 

لا تمزَحن فإن مزحت فلا يكن *** مزاحا تُضاف به إلى سوء الأدب

و احذر ممازحة تعُود عداوة *** إن المِزاح على مقدمة الغضب

 

فكثرة المَزَح مثل كثرة المَدح من المكروهات، قال الحبيب مصطفى المحضار: "كثرة المدح مثل كثرة الملح في الطعام"، وكثرة المدح في الإنسان قال كما يكثر الملح في الطعام؛ يغَيّر الطعام و يضره. فهذه مما يحتاج التوسط فيه. كان ﷺ يمازح الصحابة وقت المزح معتدلًا في المزح من غير ما يؤذي ولا يكذب. "إني لأمزح ولا أقول إلا حقا" ﷺ. 

 

  • وهكذا جاءت امرأة وذكرت له زوجها قال: ذاك زوجك الذي بعينيه بياض؟ قالت: لا يا رسول الله، زوجي ما بعينيه بياض!!  قال بلى، قالت أبدا زوجي ما بعينيه بياض. قال: "ما مِنْ إنسان إلا لَهُ بِعينيهِ بياض" أنا قلت لك بياض وسط الحدقة؟ في طرف العين كل واحد عنده بياض. 
  • وجاءه الرجل يقول للنبي ﷺ: احملني في السفر، يُريد أن يُسافر، قال: "سَنحمِلُك على ابنِ الناقة"، قال: يا رسول الله لماذا تعطيني ابن الناقة؟ أعطوني الجمل الكبير، قال: "وهل يلد الجمل إلا النّاقة؟!". الجمل الكبير هاتيك ما هو ابن الناقة؟! قال الجمل ابن الناقة كله في مزاحه ﷺ، فهذه المُمازحة تطييبا لخاطره، قال صلوات ربي وسلامه عليه. 

 

 

كثرة الكلام

قال: "وكثرة الكلام بما لا يعني"، فإن كلام ابن آدم عليه لا له، كل كلام ابن آدم  عليه لا له إلا ذكر الله ما هو عليه.

فالخَوض فيما لا يعني والكلام فيما لا يعني يؤدّي إلى مَفاسد كثيرة، والذي يعني هو الذي يهمّك في دينك ودُنياك، يهمّك بحيث إذا تركته يترتب عليه ترك فضِيلة أو فريضَة أو وقوع في مكروه أو مُحرّم هذا يعنيك، هذا الكلام الذي يعنيك: إن تركته تقع في مَكروه أو مُحرم أو تفوتك فضِيلة أو فريضَة؛ هذا الذي يعنيك من الكلام.

وأما كلام إن تركته لا تكسب فريضة ولا فضيلة ولا بتركه لا تكتسب فضيلة ولا تقع في مكروه ولا محرم. هذا ما يعنيك.

قال: "وهو ما لا يحصل له بنفع ولا بتركه ضرر إلا لنحو إيناس فيه نفع إيناس زوجة أو ضيف أو مسلم بقدر الحاجة"، يقول: فإينَاس الزّوجَة وإينَاس الضَّيف أو عُموم المسلمين بقدرِ الحاجة، إيناسهم وإدخال السرور على قلوبهم بشيء من الكلمات ممّا يَعنيك وممّا يُقرِّبك إلى الله تعالى.

 

من المكروهات: السمر بعد العشاء

 

السمر بعد العشاء، إلَّا إيناس زوجة أو ضيف أو مسلم بقدر الحاجة أو في خير:

  • سمره في علم. 
  • سمر في قراءة القرآن. 
  • سمر في ترتيب أحوال الأسرة والبيت.
  • في أحوال المسلمين.

وهكذا قال سيدنا عمر: طلبت رسول الله ﷺ في بيته  فلم أجده في أبياته، فجئت إلى أبي بكر فوجدته عنده فاستأذن لي فأذن لي فدخلتُ فوجَدتهما يتشَاورانِ في شؤون الأمة، (يتشَاوران) هذا السمر، هذا السمر طيب، يتشَاوران في شؤون الأمة، حتى مضى نحو نصف الليل، فخرج ﷺ من عند أبي بكر. قال: فخرجت وأنا وأبوبكر نقْلب رسول الله إلى بيته، يعني نُودعه، قال: فجَاء عند باب المسجد يسمع ابن مسعود يقرأ، وكانت تُعجبه قراءته فوقف يستمع قراءة ابن مسعود، قال: فوقفنا معه حتى ختم ابن مسعود قراءته وأخذ يدعو، فقال ﷺ: ادعُ قد استجيب لك، ثم دخل بيته الشّريف قال: ورجعنا.

فلما جاء وقت صلاة الفجر يقول سيدنا عمر: أردتُ أن أسبق أبا بكر فأبشّر ابن مسعود، فجئت إليه أبشره فوجدتُ أبا بكر قد سبقني وقد بشره، فوالله ما سبقتُ أبا بكر إلى خير إلا سبقني. جاء آخر الليل ما أدري متى جاء يُكلمه.. وكلم ابن مسعود، يلتقي ابن مسعود قبلي وقد بشّره، وأنا عاد لا صليت الفجر ولا  كلمته، ودخل ابن مسعود ودخل عليه بشَارة النبي، قال: "ادعُ قد استجيب لك، ادعُ قد استجيب لك، ادعُ قد استجيب لك" رضي الله عنهم.

 

 

من المكروهات 

 

وقال: "وكثرة الضحك"، وهو مما يميت القلب وإنما يكون في أوقاته، وكان ضحك نبينا التّبسم. 

 

قال: "وإدخال مجنون أو طفل الى المسجد"، طفل غير مميِّز يخاف تقذير المسجد أو مجنون يدخل بهم المسجد؛ ذلك من المَكروهات.

 

وكذا "من أكْلٍ كريه الريح" يُكره ودخوله المسجد يكون حرام وقيل مكروه، من في فمه أثر رائحة ثوم أو بصل ونحوها.

 

"كثرة الشبع": كثرة الشبع تُؤدِّي إلى تَوسيع الشَّهوات، وأيضا إلى إضْعاف الجَسد، وإضْعاف الصّحة، ولكن:

  • ثلث لطعامه.
  • وثلث لشرابه. 
  • وثلث لنفسه. 

أعدل ما يكون لصِحّة الإنسان، ولكن لا يُكثر الشّبع ودوام التَّوسُّع في الأطعمة حتّى تصِير ضَرورية لا يستطيع أن يأكل إلا بها، ولكن كان ﷺ يأكل ما وجد، ولا بأس كما قال سيّدنا عمر لابنه عبد الله بن عمر: كل يوما خُبزا ولحما، كلْ يوما خبزا وزيتا، كلْ يوما خبزا ومِلحا، كلْ يوما خبزا جَريشا، ولا تألف نوع مِن الإدام تَجعله كالضَّرُوري.

 

قال: "وتطويل البناء بلا عُذر"، وقد جعل في علامات السَّاعة أن تَرى الحُفاة العُراة، رُعاة الشاة يتطَاولون في البُنيان، والعُذر؛ عُذر الحَاجة للسَّكن لكثرةِ النّاس وأمثال ذلك مما يُحتاج إليه في الحياة، وأما لمُجرّد التَّطاول فذلك من المَكروهات.

 

"والفكر في النساء بالنسبة للرجال والفكر في الرجال بالنسبة للنساء، والكلامُ بشهوة حال الجماع، ونظر فرج الحلال"؛ هذه من المكروهات التي تركها يُوجب الثواب وفعلها لا يوجب عقاب.

 

التساهل بالجماعة 

قال رضي الله عنه وعنكم: "وصلاة الرجل مُنفردا"، قال: "هذا شديد يدل على حُمق جًلي أو كُفر خَفِي" -والعياذ بالله تعالى-، أن يتساهل بالجماعة ولا يُبالي يُصلي مُنفرد وهو يقدِر على الجَماعة، وصَلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة كما قال ﷺ، ولهذا قال: ما يتهاون بهذا الثَّواب إلا صَاحبُ حُمق جَلي أو كُفر خَفي -نسأل الله العافية-.

"ومنه ارتكاب الشبهة في فعل أو قول"؛ فتجنُّب الشبهات سنة وارتكابها مكروه، وقال: ﷺ "فمنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ استبرأ لدِينِه وعِرضِه ، ومن وقع في الشُّبهاتِ وقع في الحرامِ ، كالرَّاعي يرعى حول الحِمى يوشكُ أن يرتعَ فيه ، ألا وإنَّ لكلِّ ملكٍ حمًى ، ألا وإنَّ حمى اللهِ محارمُه".

جنبَّنا الله الحرام والمكروهات والشُّبهات ورزقنا الاستقامة، واتحفنا بأنواع الكرامة، في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة.

 

والحمد لله رب العالمين

بسر الفاتحة

 إلى حضرة النبي محمّد 

اللهم صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه

الفاتحة

تاريخ النشر الهجري

14 جمادى الأول 1445

تاريخ النشر الميلادي

26 نوفمبر 2023

مشاركة

اضافة إلى المفضلة

كتابة فائدة متعلقة بالمادة

الأقسام